الْأَوَّلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالثَّانِي مِنْ جَانِبٍ وَنَقْضُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا بِلَا إيذَانٍ وَالثَّانِي خُلْفُ وَعْدٍ حَرَامٌ بِنِيَّةِ الْخُلْفِ، لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَمْدٌ وَالْإِنْجَازُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ نَهْيُ مُنْكَرٍ فَبِتَرْكِهِ يُضَاعَفُ الْإِثْمُ وَبِفِعْلِهِ يَرْتَفِعُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَمَنْ يَفْعَلْ الذَّنْبَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَوَّلِ الْفَسْخُ وَفِي الثَّانِي التَّوْبَةُ فَإِذَا فَسَخَا الْعَقْدَ وَتَابَا ارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُضَاعِفًا إثْمَ نَفْسِ الْعَهْدِ وَالذَّنْبِ وَإِثْمَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمُنْكَرِ وَتَرْكَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْفَسْخُ وَالتَّوْبَةُ وَجَائِزٌ بِنِيَّةِ الْوَفَاءِ ثُمَّ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ لَيْسَ بِعَمْدٍ حَرَامٌ فَلَا يَلْزَمُ رَفْعُهُ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ الصِّدْقُ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (وَهُوَ) خُلْفُ الْوَعْدِ.

(الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ) مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ (وَضِدُّهُ إنْجَازُ الْوَعْدِ وَالْوَفَاءُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]- رُوِيَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لَوْ عَلِمْنَا أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} [الصف: 4] فَوَلَّوْا يَوْمَ أُحُدٍ فَنَزَلَتْ " لِمَ " مُرَكَّبَةً مِنْ لَامَ الْجَرِّ وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّة، وَالْأَكْثَرُ حَذْفُ أَلِفِهَا مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا وَإِغْنَائِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ (كَبُرَ مَقْتًا) أَشَدَّ الْبُغْضِ نَصَبَهُ لِلتَّمْيِيزِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا مَقْتٌ خَالِصٌ كَبِيرٌ عِنْدَ مَنْ يَحْقِرُ دُونَهُ كُلُّ عَظِيمٍ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ عَنْهُ (عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا) فَاعِلُ كَبُرَ (مَا تَفْعَلُونَ) (م) مُسْلِمٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «آيَةُ» عَلَامَةُ «الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ» قِيلَ لَا يُنَافِي زِيَادَتُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ لَا يَخْفَى أَنَّ مَدَارَ الْإِشْكَالِ مِنْ إضَافَةِ الْآيَةِ إلَى الْمُحَلَّى بِاللَّامِ وَلَا عَهْدَ وَلَا دَلِيلَ لِلْجِنْسِ فَالْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَلَا دَخْلَ فِي الْجَوَابِ لِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَعَدَمِهِ فَتَأَمَّلْ. «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى» وَهُمَا مِنْ عِظَامِ مَا بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْفَرْضُ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ الْعُمُومَ بِالنَّقْلِ «وَزَعَمَ» اعْتَقَدَ «أَنَّهُ مُسْلِمٌ» يَعْنِي لَا يُفِيدُ عَامَّةُ أَعْمَالِهِ وَاعْتِقَادُ إسْلَامِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ صَاحِبُ هَذِهِ الْخِصَالِ وَلَوْ مَجْمُوعُهَا فَالْمُرَادُ الِاسْتِحْلَالُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَوْ يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَوْ عَلَى عَدَمِ نَفْعِ الْإِيمَانِ فِي الِانْزِجَارِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ كَمَا قِيلَ أَوْ عَلَى سَلْبِ الْمَدْحِ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ الَّذِي وُصِفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْفَاسِقُونَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْمُنَافِقِ مُطْلَقُ الْفَاسِقِ عَلَى الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ أَوْ شَبِيهُ الْمُنَافِقِ، وَمِثْلُهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَوْ يَتَجَوَّزُ فِي لَفْظِ الْآيَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ وَالْأَمَارَةُ مِمَّا يَتَخَلَّفُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ «مَنْ زَنَى نَزَعَ اللَّهُ نُورَ الْإِيمَانِ مِنْ قَلْبِهِ» . وَقِيلَ لَمَّا اسْتَحَالَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ قِيلَ الْمُرَادُ نِفَاقُ الْعَمَلِ كَمَا فِي قَوْلِ حُذَيْفَةَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ النِّفَاقِ أَيْ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ الْفِعْلِيَّةِ. وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَالِ تَهَاوُنًا بِأَمْرِهَا فَيَكُونُ مُنَافِقًا خَالِصًا. وَقِيلَ إنَّ تِلْكَ الْخِصَالَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا آيَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي زَمَانِهِ لِاجْتِنَابِ أَصْحَابِهِ عَنْ تِلْكَ الْخِصَالِ وَلَا تُوجَدُ إلَّا فِي الْمُنَافِقِينَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - «إذَا حَدَّثَ» مِمَّا فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا «كَذَبَ» عَمْدًا وَأَمَّا الصُّوَرُ الَّتِي جُوِّزَ فِيهَا الْكَذِبُ فَبِآثَارٍ أُخَرَ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا لَا يُطَاقُ مُمْتَنِعٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015