مُتَابَعَةِ هَدْيِ اللَّهِ بِالِاعْتِصَامِ بِكِتَابِهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رُسُلِهِ وَأَنَّ مَعَ الْخَلْقِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ تَرْجِعُ الْأَمَانَةُ وَالْعَهْدُ إلَى طَاعَتِهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ فَكَأَنَّهُ لَا إيمَانَ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا يَفِي بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ مِيثَاقِهِ وَلَا يُؤَدِّي أَمَانَتَهُ بَعْدَ حَمْلِهَا وَهِيَ التَّكَالِيفُ انْتَهَى مُوجَزًا - ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْهَيْثَمِيِّ ضَعْفُ الْحَدِيثِ لَكِنَّ الْغَيْرَ وَثَّقَهُ وَفِي الْجَامِعِ «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا طَهُورَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ وَمَوْضِعُ الصَّلَاةِ مِنْ الدِّينِ كَمَوْضِعِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ» (وَتَجْرِي الْأَمَانَةُ وَالْخِيَانَةُ فِي الْقَوْلِ أَيْضًا) كَجَرَيَانِهَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَشَارُ) الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ الْمَشُورَةُ (مُؤْتَمَنٌ) أَيْ أَمِينٌ فِيمَا يُسْأَلُ مِنْ الْأُمُورِ فَلَا يَكْتُمُ مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْتَشِيرِ فَإِنْ كَتَمَ فَقَدْ ضَرَّهُ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُشِيرَ إلَّا بِمَا يَرَاهُ صَوَابًا فَإِنَّهُ كَالْأَمَانَةِ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ عَلَى إيدَاعِ مَالِهِ إلَّا ثِقَةً وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ مُعْظَمُ الدِّينِ وَهُوَ النُّصْحُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحَابُبُ وَالِائْتِلَافُ.
وَفِي الْجَامِعِ زِيدَ هُنَا قَوْلُهُ فَإِذَا اُسْتُشِيرَ فَلْيُشِرْ بِمَا هُوَ صَانِعٌ لِنَفْسِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ؛ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَقْصَى مُوجِبَاتِ الْبُخْلِ أَنْ لَا يَرَى الْإِنْسَانُ لِأَخِيهِ مَا يَرَاهُ لِنَفْسِهِ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَفِيهِ إيمَاءٌ بِطَلَبِ الِاسْتِشَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَقِيلَ الْمُشَاوَرَةُ حِصْنٌ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَمْنٌ وَسَلَامَةٌ وَنِعْمَ الْعَوْنُ الْمُشَاوَرَةَ.
(تَنْبِيهٌ)
قَالَ بَعْضُ الْكَامِلِينَ يَحْتَاجُ النَّاصِحُ وَالْمُشِيرُ إلَى عِلْمٍ كَبِيرٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْعَامُّ الْمُتَضَمِّنُ لِأَحْوَالِ النَّاسِ وَعِلْمِ الزَّمَانِ وَعِلْمِ الْمَكَانِ وَعِلْمِ التَّرْجِيحِ فَيَفْعَلُ بِحَسَبِ الْأَرْجَحِ عِنْدَهُ وَإِذَا عُرِفَ مِنْ أَحْوَالِ إنْسَانِ الْمُخَالَفَةُ وَأَنَّهُ إذَا أَرْشَدَهُ بِشَيْءٍ فَعَلَ ضِدَّهُ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَنْبَغِي، وَهَذَا يُسَمَّى عِلْمَ السِّيَاسَةِ فَلِذَا قَالُوا الْمُشِيرُ وَالنَّاصِحُ يَحْتَاجُ إلَى عِلْمٍ وَعَقْلٍ وَفِكْرٍ صَحِيحٍ وَرَوِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَاعْتِدَالِ مِزَاجٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَأَنٍّ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الْخِصَالَ فَخَطَؤُهُ أَسْرَعُ مِنْ إصَابَتِهِ، كَذَا فِي الْفَيْضِ (وَمَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَوْ عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى الْمُفْتِي، أَمَّا لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَفْتِي بَلْ إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ (كَانَ أَثِمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ) إذَا كَانَ ثِقَةً فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَغَيْرَ مَطْعُونٍ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ أَوْ أَفْتَى بِالْقَوْلِ الْمَهْجُورِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَثِمُ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا إذَا اجْتَهَدَ الثِّقَةُ فَأَخْطَأَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْحَقِّ بَيِّنًا وَلَا عَلَى الْمُسْتَفْتِي بَلْ لِلْعَالِمِ أَجْرُ نَقْلٍ عَنْ الْمَوَاهِبِ لَعَلَّ هَذَا فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ. وَفِي الْجَامِعِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ مَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ) قِيلَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ (بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ) أَقُولُ فِي الْجَامِعِ هَذَانِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ لَكِنْ بِالزِّيَادَةِ الْمُشَارَةِ آنِفًا، وَالثَّانِي مِنْ أَفْتَى إلَخْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمُنَاوِيِّ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى شَرْحِ الْجَامِعِ.
(وَمِنْهُ) مِنْ أَشَدِّ بَوَاعِثِهِ (خُلْفُ الْوَعْدِ) إذَا قَدَرَ عَلَى إنْجَازِهِ، وَأَمَّا خُلْفُ الْوَعِيدِ فَقِيلَ كَرَمٌ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْوَعْدِ