(وَمِنْهُ) مِنْ أَشَدّ بَوَاعِث الْغَضَب (الْغَدْرُ وَهُوَ نَقْضُ الْعَهْد) قِيلَ الْعَهْدُ مَا يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ جَانِبٍ فَوَعْدٌ وَنَقْضُهُ خُلْفُ وَعْدٍ (وَالْمِيثَاقِ) كَعَطْفِ تَفْسِيرٍ أَوْ مَا يَكُونُ عَلَى التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَثَاقَةِ (بِلَا إيذَانٍ) أَيْ بِلَا إعْلَامٍ بِالنَّقْضِ مَثَلًا إذَا عَاهَدَ الْإِمَامُ مَعَ الْكُفَّارِ وَرَأَى نَقْضَ الْعَهْدِ خَيْرًا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِيذَانِ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُهُودِ (وَهُوَ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ) (م) مُسْلِمٌ (عَنْ) أَبِي سَعِيدٍ (الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ» وَهُوَ الْعَلَمُ دُونَ الرَّايَةِ وَالْجَمْعُ أَوْلَوِيَّةٌ كَذَا عَنْ الْمِصْبَاحِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ لِوَاءٌ لِإِظْهَارِ غَدْرِهِ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِالْفَضَاحَةِ وَالْمَلُومِيَّةِ وَقِيلَ الْغَادِرُ الَّذِي يَقُولُ قَوْلًا وَلَا يَفِي فَشَمِلَ مَنْ لَمْ يَفِ إذَا نَذَرَ وَبِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ «عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قِيلَ وَالِاسْتُ الْعَجُزُ وَيُرَادُ بِهِ حَلْقَةُ الدُّبُرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللِّوَاءُ مُمْسِكًا لَهُ مِنْ عِنْدِ دُبُرِهِ بِيَدِ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ إشَارَةً إلَى إدْبَارِهِ وَتَنْكِيسِ حَالِهِ وَقَبِيحِ أَمْرِهِ وَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُلْصَقُ بِهِ وَيُدْنَى مِنْهُ دُنُوًّا لَا يَكُونُ مَعَهُ اشْتِبَاهٌ لِيَزْدَادَ فَضِيحَةً وَتَضَاعُفَ اسْتِهَانَةٍ.

وَعَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ يُرِيدُ الشُّهْرَةَ بِهِ وَهِيَ عَظِيمَةٌ فِي النُّفُوسِ كَبِيرَةٌ عَلَى الْقُلُوبِ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ الْأَلَمِ فِي النُّفُوسِ مَا شَاءَ عَلَى قَدْرِهَا إنَّمَا كَانَ عِنْدَ اسْتِهِ لِتَكُونَ الصُّورَتَانِ مَكْشُوفَتَيْنِ الظَّاهِرَةُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْبَاطِنَةُ فِي الْخُلُقِ انْتَهَى «يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ» فَمَنْ عَظُمَ غَدْرُهُ رُفِعَ لِوَاؤُهُ أَكْثَرَ وَمَنْ كَانَ غَدْرُهُ أَدْنَى رُفِعَ لِوَاؤُهُ كَذَلِكَ وَقِيلَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاء عَلَامَةٌ يُشْهَرُ بِهَا فِي النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ اللِّوَاءِ الشُّهْرَةُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمَ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ أَمَّنَهُ رَجُلٌ عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَهُوَ حَرَامٌ) لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ مِنْ التَّقْبِيحِ وَالتَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ بِالْوَعِيدِ سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ غَدْرِهِ مُتَعَدٍّ وَقِيلَ نَهَى الرَّعِيَّةُ الْإِمَامَ عَنْ الْغَدْرِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِ لَكِنْ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ خَفَاءٌ وَإِنْ كَانَ دَلَالَةُ الْمَتْنِ قَطْعِيَّةً إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ الْحُرْمَةِ الْكَرَاهَةُ فَتَأَمَّلْ. (وَضِدُّهُ وَاجِبٌ) وَلَوْ مَعَ الْكُفَّارِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015