عَلَيْكَ السُّكُوتُ بِلِسَانِك عَنْ مَسَاوِيهِ يَجِبُ عَلَيْك بِقَلْبِك بِتَرْكِ إسَاءَةِ الظَّنِّ فَسُوءُ الظَّنِّ غِيبَةُ الْقَلْبِ وَأَمَّا إنْ انْكَشَفَ بِيَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ فَلَا يُمْكِنُك أَنْ تَحْمِلَ بِمَحْمَلٍ حَسَنٍ فَعَلَيْك أَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى سَهْوٍ وَنِسْيَانٍ وَخَطَأٍ مَا أَمْكَنَ.
(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَشَدِّ الْمَذْكُورِ (الْفِعْلُ الضَّارُّ الصَّادِرُ خَطَأً كَمَنْ يَرْمِي إلَى صَيْدٍ فَيَقَعُ إلَى إنْسَانٍ أَوْ مَالِهِ فَيَتْلَفُ) ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَوْ مَالُهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخَطَأُ بَاعِثًا شَدِيدًا إلَى الْغَضَبِ وَالْغَضَبُ وَصْفٌ (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْطِئِ (التَّثَبُّتُ وَالِاحْتِيَاطُ) فِي أَمْرِهِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْ الْخَطَأِ (وَعَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْعَفْوُ) فَإِنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى الْعَفْوِ يَشْكُلُ أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِامْتِنَاعِ وَلَوْ بِالْغَيْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَفْوَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ بَلْ هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مُطْلَقًا (فَالتَّضْمِينُ) مَا أَتْلَفَهُ نَفْسًا أَوْ مَالًا (عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَأَنَّ الْجَرِيمَةَ عَلَى قَدْرِ الْجُرْمِ (لَا التَّهَوُّرُ) وَالْغَضَبُ.
(وَمِنْهُ حُبُّ الدُّنْيَا وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدُّنْيَا (فَإِنَّ الرَّجُلَ) الْفَقِيرَ (قَدْ يَسْأَلُ مِنْ غَنِيٍّ شَيْئًا) مِنْ أَمْتِعَةِ الدُّنْيَا (فَلَا يُعْطِيهِ) ذَلِكَ الْغَنِيُّ (فَيَغْضَبَانِ) أَيْ السَّائِلُ وَالْمَسْئُولُ أَمَّا السَّائِلُ فَلِمَنْعِهِ وَأَمَّا الْمَسْئُولُ فَلِسُؤَالِ السَّائِلِ مَا هُوَ شَقِيقُ نَفْسِهِ وَرُوحِهِ أَوْ لِغَضَبِ السَّائِلِ (وَسَيَجِيءُ عِلَاجُهُ) أَيْ عِلَاجُ حُبِّ الدُّنْيَا (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ غَضَبُهُ) غَضَبُ السَّائِلِ (لِمُجَرَّدِ رَدِّ كَلَامِهِ وَعَدَمِ إجَابَتِهِ) لَا لِكَوْنِ الْغَنِيِّ مَانِعًا لِلْمَالِ عَنْهُ (فَمِنْ التَّكَبُّرِ أَوْ الْعُجْبِ) لَا مِنْ الْمَحَبَّةِ (كَمَنْ يَغْضَبُ عِنْدَ رَدِّ شَفَاعَتِهِ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ) كَالشَّفَاعَةِ لِلتَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (أَوْ حَرَامٍ) كَالشَّفَاعَةِ لِأَجْلِ عَمَلِ الْفِسْقِ وَأَمَّا الْغَضَبُ لِرَدِّ شَفَاعَتِهِ فِي أَمْرٍ وَاجِبٍ كَالشَّفَاعَةِ فِي إعْطَاءِ الْمَدْيُونِ دَيْنَهُ لِلدَّائِنِ فَإِنَّ لِمُجَرَّدِ رَدِّ كَلَامِهِ فَمِنْ التَّكَبُّرِ أَوْ الْعُجْبِ وَأَنَّ لِفِعْلِهِ أَمْرًا مُنْكَرًا وَتَرْكُهُ وَاجِبًا فَغَضَبٌ فِي اللَّهِ.