(وَعَدَمُ فَهْمِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ) مِنْ كَلَامِهِ بِأَنْ يُرِيدَ مِنْ كَلَامِهِ مَعْنًى مَجَازِيًّا وَهُوَ يَفْهَمُ الْحَقِيقَةَ لِخَفَاءِ قَرِينَتِهِ أَوْ مَعْنًى حَقِيقِيًّا وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْمَجَازِيِّ أَوْ مُشْتَرَكٌ بِتَزَاحُمِ الْمَعَانِي (فَعَلَى الْمُتَكَلِّمِ التَّبْيِينُ وَالتَّفْسِيرُ) بِشَرَائِطِ التَّعْرِيفِ اللَّفْظِيِّ أَوْ لَا يَتَكَلَّمُ ابْتِدَاءً بِكَلَامٍ يُوهِمُ الْمُخَاطَبَ غَيْرَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِجْمَالِ فِي كَلَامِهِ) الظَّاهِرُ لَيْسَ مَا فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ بَلْ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ بَلْ الْمُشْتَرَكُ أَيْضًا وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَلَا يَقَعُ فِي كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ أَوْ بِلَفْظِ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ شَامِلَةٍ لِلْمُتَشَابِهِ كَمَا فِي كَلِّمْ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ وَاتَّقُوا مَوَاضِعَ التُّهَمِ فِي كَلَامِهِ (وَاحْتِمَالُ الْأَذَى) مِنْ جَانِبِ الْمُخَاطَبِ قَالَ فِي الشِّرْعَةِ وَشَرَائِطُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ثَلَاثَةٌ صِحَّةُ النِّيَّةِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الدِّينِ وَكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي مَعْرِفَةُ الْحُجَّةِ، وَالثَّالِثُ الصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَكْرُوهِ. قَالَ فِي نِصَابِ الِاحْتِسَابِ وَيَجِبُ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: رِفْقٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]- فَإِنَّ الْغِلْظَةَ لَا تَزِيدُ إلَّا فَسَادًا، وَحِلْمٌ فِي ذَلِكَ عَمَّا يُقَالُ لَهُ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَفِقْهٌ لِئَلَّا يَصِيرَ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ مُنْكَرًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِيمَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ كَمَا سَأَلَ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَمُجَانَبَةُ التَّجَسُّسِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَعُسُّ لَيْلَةً مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَاطَّلَعَ مِنْ خَلَلِ بَابٍ فَإِذَا شَيْخٌ بَيْنَ يَدَيْهِ شَرَابٌ وَقَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ فَتَسَوَّرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَا أَقْبَحُ شَيْخًا مِثْلَك يَكُونُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ فَقَامَ إلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْشُدُك اللَّهَ إلَّا مَا أَنْصَفْتنِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ قَالَ قُلْ قَالَ إنْ كُنْت عَصَيْت اللَّهَ وَاحِدَةً فَقَدْ عَصَيْت أَنْتَ فِي ثَلَاثٍ قَالَ مَا هُنَّ قَالَ تَجَسَّسْت وَقَدْ نَهَاك اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] وَتَسَوَّرْت وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189] إلَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]- وَدَخَلْت بِغَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَدَقْت فَهَلْ أَنْتَ عَافٍ لِي، فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَك فَخَرَجَ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ وَيْلٌ لِعُمَرَ إنْ لَمْ يَغْفِرْ اللَّهُ لَهُ يَجِدُ الرَّجُلَ يَخْتَفِي بِهَذَا عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَالْآنَ يَقُولُ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَتَجَسَّسَ وَلَا يَتَسَوَّرَ وَلَا يَدْخُلَ بَيْتًا بِلَا إذْنٍ (وَعَلَى السَّامِعِ التَّثَبُّتُ) أَيْ الثَّبَاتُ (وَالتَّأَمُّلُ) فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُجُرَاتِ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] . أَيْ بِخَبَرٍ كَذِبٍ. {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]- (وَحُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ) فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى وَجْهٍ قَبِيحٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا تَظُنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجْت مِنْ فِي أَخِيك سُوءًا وَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا ثُمَّ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَيْضِ بِصُلَحَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي حَدِيثٍ حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ يَعْنِي اعْتِقَادُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ عِبَادَةٌ. وَقَدْ قِيلَ أَسْوَأُ النَّاسِ حَالًا مَنْ لَا يَثِقُ بِأَحَدٍ لِسُوءِ ظَنِّهِ وَلَا يَثِقُ بِهِ أَحَدٌ لِسُوءِ فِعْلِهِ وَقَدْ بَلَغَ حُسْنُ الظَّنِّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إلَى أَنْ يَجِدَ الْجَلَّادَ الَّذِي يَضْرِبُ الرِّقَابَ وَيُعَذِّبُ أَخَفَّ حِسَابًا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبَ إلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ (وَإِنْ اشْتَبَهَ) مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ يَعْنِي يَجْتَهِدُ أَوَّلًا لِتَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِمَحْمَلٍ حَسَنٍ وَلَوْ بِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَلِيلٍ مِنْ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ أَوْ حَقِيقَةٍ مُقَابَلَةِ مَجَازٍ مَشْهُورٍ وَنَحْوِهَا (فَعَلَيْهِ الِاسْتِفْسَارُ) أَيْ يَسْأَلُهُ عَنْ مُرَادِهِ مِنْ كَلَامِهِ (لَا الْعَجَلَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ) فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ فَلَعَلَّ لَهُ مَحْمَلًا صَحِيحًا وَأَنْتَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْإِكْفَارَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُهُ وَلَا يُرَجَّحُ الْوُجُوهُ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ. وَفِي نَحْوِ هَذَا قَالَ الشَّاعِرُ
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ إنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ فِي الْقَلْبِ سُوءُ الظَّنِّ وَهُوَ حَرَامٌ لِآيَةِ - {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]- الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَفِي الْإِحْيَاءِ وَكَمَا يَجِبُ