وَعَنْ أَبَوَيْهَا «أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَا غَضْبَى» عَلَى وَزْنِ عَطْشَى «فَأَخَذَ بِطَرَفِ الْمِفْصَلِ» بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ «مِنْ أَنْفِي فَفَرَكَهُ» أَيْ دَلَكَهُ «ثُمَّ قَالَ يَا عُوَيْشُ» تَصْغِيرُ عَائِشَةَ تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ لِلتَّعَطُّفِ «قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي وَآجِرْنِي» خَلِّصْنِي «مِنْ الشَّيْطَانِ» .
(الْمَقَامُ الرَّابِعُ فِي الْعِلَاجِ الْقَلَعِيِّ وَهُوَ بِإِزَالَةِ السَّبَبِ وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْجَاهِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْعُجْبِ وَصَاحِبُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ) الْأَدْوَاءِ (يَغْضَبُ بِأَدْنَى شَيْءٍ يُوهِمُ نَقْصًا فِيهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (مِمَّا لَا يَغْضَبُ بِهِ غَيْرُهُ عَادَةً) وَيَغْضَبُ بِأَدْنَى شَيْءٍ لِكَمَالِهِ وَعَدَمِ النَّقْصِ فِيهِ (وَعِلَاجُهَا) أَيْ عِلَاجُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الثَّلَاثَةِ (سَبَقَ وَالْمِزَاحُ) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعُجْبِ أَوْ الْحِرْصِ (وَالْهَزْلُ) ضِدُّ الْجِدِّ (وَالْهُزُؤُ) أَيْ السُّخْرِيَةُ (وَالتَّعْيِيرُ) أَيْ التَّعَيُّبُ وَالتَّوْبِيخُ (وَالْمُمَارَاةُ) أَيْ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمُجَادَلَةُ (وَالْمُضَادَّةُ) أَيْ الْمُخَالَفَةُ وَالْمُعَانَدَةُ (وَالظُّلْمُ) أَيْ الْخُرُوجُ عَنْ الْحَدِّ (بِالْقَوْلِ كَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتْمِ أَوْ) الظُّلْمِ (بِالْفِعْلِ كَالضَّرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ) ظُلْمًا وَعُدْوَانًا (وَمَنْعُ حَقِّهِ) بِوَجْهٍ مَا (وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُورِثُ الْغَضَبَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ فَعَلَيْك الِاجْتِنَابَ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا خُلُقٌ مَذْمُومٌ فِي نَفْسِهَا مَعَ أَنَّهَا سَبَبٌ لِلْغَضَبِ وَبَعْضُهَا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ مُؤَدٍّ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَذْمُومًا بِاعْتِبَارِهِ (إلَّا أَنْ يُتَيَقَّنَ تَحَمُّلُهُ وَحِلْمُهُ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ التَّحَمُّلِ وَالْحِلْمِ. (بِمَا حَلَّ مِنْهَا قَلِيلًا) مِثْلُ الْمِزَاحِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَلِيلِ الْمُمَازَحَةِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَيَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا هَذَا فِيمَا إذَا صَدَرَتْ مِنْك لِغَيْرِك (وَأَمَّا إذَا صَدَرَتْ) هَذِهِ الْأُمُورُ (مِنْ غَيْرِك فِيك فَعَلَيْك الْحِلْمُ وَالْعَفْوُ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) عَلَى الْحِلْمِ وَالْعَفْوِ لِكَوْنِ طَبْعِك بِخِلَافِهِ (فَعَلَيْك الصَّبْرُ وَالْكَظْمُ) فِي الْحَالِ (وَالِانْتِصَارُ) بَعْدَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ بِقَدْرِ الظُّلَامَةِ (وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْكَظْمِ وَالصَّبْرِ (فَلَا تَذْهَبْ وَلَا تَجْلِسْ فِي مَظَانِّهَا) أَيْ مَكَان يُظَنُّ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (فَإِنْ وَقَعْتَ) أَنْتَ فِيهَا (بَغْتَةً) فَجْأَةً (فَفِرَّ) مِنْهَا (فِرَارَك) أَيْ مِثْلَ فِرَارِك (مِنْ الْأَسَدِ) فَإِنَّ ضَرَرَهَا أَشَدُّ مِنْهُ (وَأَحْوَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) فِي تَفْسِيرِهَا وَأَحْكَامِهَا فِي الشَّرْعِ (سَتَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي آفَاتِ اللِّسَانِ.
(وَمِنْ أَشَدِّ بَوَاعِثِ الْغَضَبِ) وَالتَّهَوُّرِ (عِنْدَ الْجَاهِلِ) ظَرْفُ الْبَوَاعِثِ (تَسْمِيَتُهُمْ إيَّاهُ) الْغَضَبَ وَالتَّهَوُّرَ (شَجَاعَةً وَرُجُولِيَّةً وَعِزَّةَ نَفْسٍ وَكِبَرَ هِمَّةٍ وَغَيْرَةً وَحَمِيَّةً) أَيْ تَلْقِيبُهُ بِالْأَلْقَابِ الْمَحْمُودَةِ غَبَاوَةً وَجَهْلًا (حَتَّى تَمِيلَ النَّفْسُ إلَيْهِ وَتَسْتَحْسِنُهُ) وَتَتَشَوَّقُ إلَى تَحْصِيلِهِ ظَنًّا مِنْهَا أَنَّهُ أَمْرٌ مَحْمُودٌ فِي نَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ (وَقَدْ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ)