يَابِسٌ وَالْمَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ «فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» قِيلَ نَدْبًا مُؤَكِّدًا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَصَوَّرَ حَالَةَ الْغَضَبِ وَمَنْشَأَهُ ثُمَّ أَرْشَدَ إلَى تَسْكِينِهِ فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ هَذَا الْمَخْرَجَ لِيَكُونَ أَجْمَعَ وَأَنْفَعَ وَلِلْمَوَانِعِ أَزْجَرَ وَأَرْدَعَ، وَهَذَا التَّصْوِيرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، وَهَذَا تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ مِنْ الْغَضَبِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مَنْ اُسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ جَبَّارٌ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْغَضَبِ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَمَعْنَاهَا غَلَيَانُ دَمِهِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ فَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى انْعَدَمَ الْعَقْلُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ ضَعُفَ أَوْ أَفْرَطَ حَتَّى جَاوَزَ حَدَّهَا الشَّرْعِيَّ ذُمَّ ذَمًّا شَدِيدًا وَمَحَلُّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي وَسَبَبُ ذَمِّ الْأَوَّلِ اسْتِلْزَامُهُ انْعِدَامَ الْغَيْرَةِ وَالْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ.
(وَالثَّانِي الْجُلُوسُ) إنْ كَانَ قَائِمًا (وَالِاضْطِجَاعُ) إنْ قَاعِدًا (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ) قَالَ (قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ» نَدْبًا «فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ» فَذَاكَ أَوْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ «وَإِلَّا» فَإِنْ اسْتَمَرَّ «فَلْيَضْطَجِعْ» عَلَى جَنْبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ مُتَأَهِّبٌ لِلِانْتِقَامِ وَالْقَاعِدَ دُونَهُ وَالْمُضْطَجِعَ دُونَهُمَا، وَالْقَصْدُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْ هَيْئَةِ الْوُثُوبِ وَالْمُبَادَرَةِ لِلْبَطْشِ مَا أَمْكَنَ حَسْبَمَا لِمَادَّةِ الْمُبَادَرَةِ وَحَمَلَ الطِّيبِيُّ الِاضْطِجَاعَ عَلَى التَّوَاضُعِ وَالْخَفْضِ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ مَنْشَؤُهُ الْكِبْرُ صُرِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْغَضَبُ لِلَّهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الدِّينِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ فِي الْحَقِّ فَبِالْغَضَبِ قُوتِلَ الْكُفَّارُ وَأُقِيمَتْ الْحُدُودُ وَذَهَبَتْ الرَّحْمَةُ عَنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنْ الْقُلُوبِ.
(وَالثَّالِثُ الِاسْتِعَاذَةُ. خ م. عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «اسْتَبَّ» أَيْ تَسَابَّا «رَجُلَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَبَيْنَمَا يَسُبُّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مُغْضَبًا» بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ «قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ» حَالٌ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً» الْمُرَادُ كَلِمَةُ التَّعَوُّذِ الْآتِي «وَلَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ» مِنْ الْغَضَبِ وَبَيَّنَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ بِقَوْلِهِ «وَلَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ» وَفِيهِ دَلَالَةُ أَنَّ الْغَضَبَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ يَسْكُنُ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا غَضِبَ الرَّجُلُ، فَقَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ سَكَنَ غَضَبُهُ. قَالَ شَارِحُهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ أَيْ مِنْ إغْوَائِهِ وَوَسْوَسَتِهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ أَقْوَى سِلَاحِ الْمُؤْمِنِ عَلَى دَفْعِ كَيْدِ اللَّعِينِ إبْلِيسَ وَمَكْرِهِ وَإِذَا تَأَمَّلَ مَعْنَى الِاسْتِعَاذَةِ وَهُوَ الِالْتِجَاءُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِصَامُ بِهِ وَضَمَّ لَهُ التَّفْكِيرَ فِيمَا وَرَدَ فِي كَظْمِهِ وَثَوَابِهِ وَاسْتِحْضَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْظَمُ قُدْرَةً مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ سَكَنَ غَضَبُهُ لَا مَحَالَةَ قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ وَسِيلَةُ الْمُقَرَّبِينَ وَاعْتِصَامُ الْخَائِفِينَ وَمُبَاسَطَةُ الْمُحِبِّينَ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(وَالرَّابِعُ دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ) لِدَفْعِهِ (سِنِي) ابْنُ السُّنِّيِّ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -)