انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ تَعَالَى قُوَّةً وَضَعْفًا فَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ مُفْسِدًا لَمَا صَدَرَ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَغْضَبُ حَتَّى تَحْمَرَّ وَجْنَتَاهُ وَيَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ لَعَنْته أَوْ ضَرَبْته فَاجْعَلْهُمَا مِنِّي صَلَاةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَانَ يَقُولُ «الْغَضَبُ لَا يُخْرِجْنِي عَنْ الْحَقِّ وَعَنْ نَثْرِ الْعِطْرِ» لِلْيَافِعِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا أَنَّهُ «دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ» الْحَدِيثَ. وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْضَبُ لِلدُّنْيَا فَإِذَا غَضِبَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدًا وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ» فَكَانَ يَغْضَبُ لِلْحَقِّ وَإِنْ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ. (وَوَجْهُ إفْسَادِهِ الْإِيمَانَ) الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ (أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ عَنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يُوجِبُ الْكُفْرَ) إذْ عِنْدَهُ يَزُولُ الْعَقْلُ، وَلِذَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَهُ.

(وَالثَّانِي) مِنْ آفَاتِ التَّهَوُّرِ (خَوْفُ الْمُكَافَأَةِ) أَيْ الْمُجَازَاةِ لَهُ عَلَى تَهَوُّرِهِ (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْك أَعْظَمُ مِنْ قُدْرَتِك عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ) وَكَذَا ذَنْبُك أَعْظَمُ مِنْ ذَنْبِهِ عَلَيْك (فَلَوْ أَمْضَيْت غَضَبَك عَلَيْهِ) وَعَلِمْت بِمُقْتَضَاهُ (لَمْ تَأْمَنْ مِنْ أَنْ يُمْضِيَ اللَّهُ غَضَبَهُ عَلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ) حِينَ اشْتَدَّ احْتِيَاجُك إلَى الْعَفْوِ وَقَدْ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَا ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ فَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ» .

(وَالثَّالِثُ حُصُولُ الْعَدَاوَةِ) بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ (فَيَتَشَمَّرُ) يَجْتَهِدُ (الْعَدُوُّ لِمُقَابَلَتِك وَالسَّعْيِ فِي هَدْمِ أَغْرَاضِك وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِك) أَيْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِمَا أَصَابَك مِنْ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ وَأَنْتَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمَصَائِبِ فَخَفْ أَنْتَ عَوَاقِبَ الْغَضَبِ فِي الدُّنْيَا إنْ كُنْت لَا تَخَافُ فِي الْآخِرَةِ (فَيُشَوِّشُ) ذَلِكَ الْعَدُوُّ (عَلَيْك مَعَاشَك) بِمَا يُخْشَى مِنْ سُوءِ مُعَامَلَتِهِ مَعَك (وَمَعَادَك) أَيْ أَعْمَالَ الْآخِرَةِ (فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ) وَمَا يَعْنِيك فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ مَحْرُومًا مِنْ الثَّوَابِ وَمُعَرَّضًا لِلْعِقَابِ.

(وَالرَّابِعُ قُبْحُ صُورَتِك عِنْدَ الْغَضَبِ) وَقُبْحُ بَاطِنِك أَعْظَمُ مِنْ قُبْحِ ظَاهِرِك فَإِنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا قَبُحَتْ صُورَةُ الْبَاطِنِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَشَرَ قُبْحُهَا إلَى الظَّاهِرِ فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ الْبَاطِنِ فَقِسْ الْمُثْمِرَ عَلَى الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُنْبِئُ عَنْ الشَّجَرَةِ (وَمُشَابَهَتُك لِلْكَلْبِ الضَّارِي) الْمُجْتَرِئِ عَلَى أَذَى النَّاسِ الْحَرِيصِ عَلَى الْعَضِّ الْمُعْتَادِ لَهُ (وَالسَّبُعِ الْعَادِي) مِنْ الْعَدَاوَةِ.

(وَأَمَّا فَوَائِدُ كَظْمِ الْغَيْظِ) وَهُوَ الثَّانِي مِنْ طُرُقِ الْعِلَاجِ (فَسَبْعَةٌ) قِيلَ الْأَوْلَى فَسَبْعٌ لَعَلَّهُ لِلْمُطَابَقَةِ لِلْفَائِدَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الثَّانِي أَوْ الْعِلَاجِ نَعَمْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَسَبْعٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ (الْأَوَّلُ اعْتِدَادُ الْجَنَّةِ لَهُ) بِجَعْلِ صَاحِبِهِ مُعَدًّا وَمُهَيِّئًا لِلْجَنَّةِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] أَيْ الْمُمْسِكِينَ غَيْظَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ لِمُجَرَّدِ رِضَاهُ تَعَالَى مِنْ كَظَمْت الْقِرْبَةَ إذَا مَلَأْتهَا وَشَدَدْت رَأْسَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015