(فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) الْمَشْرُوعِ (وَالْخَوَرِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الضَّعْفِ (وَالسُّكُوتِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ) وَيُورِثُ أَيْضًا سُوءَ الْعَيْشِ وَطَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَالِهِ وَقِلَّةَ الثَّبَاتِ فِي الْأُمُورِ وَارْتِكَابَ مَا يُوجِبُ التَّوْبِيخَ وَالتَّعَطُّلَ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَاءِ الْمَمْدُوحِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ مُحَرِّضًا عَلَى الشَّجَاعَةِ {وَلْيَجِدُوا} [التوبة: 123] أَيْ الْكُفَّارُ {فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] أَيْ شِدَّةً فِي الْقِتَالِ وَصَبْرًا.
وَفِي سُورَةِ النُّورِ - {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا} [النور: 2] أَيْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ {رَأْفَةٌ} [النور: 2] شَفَقَةٌ وَمَرْحَمَةٌ {فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فِي طَاعَتِهِ وَإِقَامَةِ حَدِّهِ فَتُعَطِّلُوهُ أَوْ تُسَامِحُوا فِيهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا» . وَفِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] أَيْ أَصْحَابُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْنِي يُظْهِرُونَ الشِّدَّةَ وَالْمَهَابَةَ وَالصَّلَابَةَ لِمَنْ خَالَفَ دِينَهُمْ. لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذَاهِبَ عِنْدَنَا كَوْنُ الِاعْتِبَارِ بِعُمُومِ الصِّيغَةِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَا يَبْعُدُ الْمُقَايَسَةُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى لِحَبِيبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]- أَيْ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْغِلْظَةُ هِيَ الشِّدَّةُ مِنْ آثَارِ قُوَّةِ الْحَمِيَّةِ وَهُوَ الْغَضَبُ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (طس) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ أُمَّتِي أَحِدَّاؤُهَا» أَيْ مَنْ كَانَ كَالْحَدِيدِ فِي الصَّلَابَةِ فِيمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَسَعَى فِي رَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحِدَّةُ تَعْتَرِي خِيَارَ أُمَّتِي وَفُسِّرَ هُنَا بِالصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَفِيهِ أَيْضًا الْحِدَّةُ لَا تَكُونُ أَلَا فِي صَالِحِي أُمَّتِي وَأَبْرَارِهَا الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ أَيْضًا «خِيَارُ أُمَّتِي أَحِدَّاؤُهُمْ إذَا غَضِبُوا رَجَعُوا» (وَقَدْ مَرَّ مَا وَرَدَ فِي الْغَيْرَةِ فَيَنْبَغِي) لِلْجَبَانِ (أَنْ يُعَالِجَ نَفْسَهُ) لِتَنْفِرَ عَنْهَا (بِإِيقَاعِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِيقَاعِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (فِيمَا يَخَافُ وَيَفِرُّ مِنْهُ) مِنْ الْمَخَاوِفِ وَالْمَعَارِكِ، وَذَكَرَ وُجُوبَ الْمَوْتِ وَعَدَمَ نَفْعِ الْحَذَرِ عِنْدَ نُزُولِ الْقَدَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ إيقَاعِ التَّهْلُكَةِ كَالْمُرُورِ مُنْفَرِدًا فِي الطَّرِيقِ الْمُهْلِكَةِ وَكَذَا الْبَيْتُوتَةُ. (بِتَكَلُّفٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يُسَوِّغُ الشَّرْعُ الْإِقْدَامَ (وَإِسْمَاعِهَا) أَيْ نَفْسَهُ (غَوَائِلَ الْجُبْنِ) لِتَنْفِرَ مِنْهُ (وَفَوَائِدَ الشَّجَاعَةِ) لِتَتَشَوَّقَ إلَيْهَا (وَتَذْكِيرِهَا كِرَارًا أَوْ مِرَارًا) مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى الْأَوْلَى وَتَذَكُّرِهَا (حَتَّى يَزُولَ) جُبْنُهُ (وَيَقْوَى غَضَبُهُ) الْمَرْغُوبُ (وَإِفْرَاطِهِ) أَيْ إفْرَاطِ الْغَضَبِ عَطْفٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ (وَزِيَادَتِهِ وَغَلَبَتِهِ وَسُرْعَتِهِ وَشِدَّتِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّهَوُّرِ وَهُوَ) أَيْ التَّهَوُّرُ (الْعِشْرُونَ) مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَيُثْمِرُ الْحِدَّةَ وَالْعُنْفَ (وَضِدُّهُ) أَيْ التَّهَوُّرُ (الْحِلْمُ وَهُوَ مَلَكَةُ الطُّمَأْنِينَةِ) أَيْ كَيْفِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ بَاعِثَةٌ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ