«حَتَّى يَتُوبُوا» مِنْ الضَّغَائِنِ فَمَا لَمْ يَتُبْ مِنْ الْحِقْدِ لَا يُغْفَرُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (طط. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَطَّلِعُ» أَيْ يَنْظُرُ «اللَّهُ تَعَالَى إلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ» بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ «لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» قِيلَ هُنَا عَنْ الْقَامُوسِ وَالْمُشَاحِنُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا تَقْرِيبَ حِينَئِذٍ وَالْأَقْرَبُ مَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ شَحِنْت عَلَيْهِ شَحَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ حَقَدْت.
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِإِيهَامِهَا التَّنَافِيَ فَافْهَمْ (وَفِي رِوَايَةٍ. هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا «وَيُؤَخَّرُ أَهْلُ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ» عَلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ بِلَا مَغْفِرَةٍ.
(الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي سَبَبِ الْحِقْدِ وَهُوَ الْغَضَبُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْحَاقِدَ (إذَا لَزِمَ كَظْمَهُ) أَيْ كَظْمَ الْغَضَبِ (بِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَفِّي) عَنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ (فِي الْحَالِ رَجَعَ) الْغَضَبُ (إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ) احْتَبَسَ (فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا) بَعْدَ أَنْ كَانَ غَضَبًا (وَفِيهِ) أَيْ فِي الْغَضَبِ (خَمْسَةُ مَقَامَاتٍ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْغَضَبِ وَأَقْسَامِهِ) .
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِي الْعِلَاجِ الْعِلْمِيِّ.
الثَّالِثُ فِي عِلَاجِهِ بَعْدَ هَيَجَانِهِ.
الرَّابِعُ فِي الْعِلَاجِ الْقَلَعِيِّ.
الْخَامِسُ: فِي الْحِلْمِ (اعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ وَهُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ) وَالْقَلْبُ جِسْمٌ صَنَوْبَرِيٌّ تَحْتَ الثَّدْيِ الْيَسَارِ أَيْ حَرَكَةُ الدَّمِ الرَّقِيقِ فِي الْقَلْبِ دَفْعَةً (لِدَفْعِ الْمُؤْذِيَاتِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَلِطَلَبِ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَالِ بَعْدَ وُصُولِهَا لَيْسَ بِمَذْمُومٍ) فِي الشَّرْعِ مُطْلَقًا (بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ بِهِ يَحْفَظُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا وَمِنْهُ) أَيْ الِانْتِقَامُ (الشَّجَاعَةُ الْمَمْدُوحَةُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعُرْفًا) .
قِيلَ الشَّجَاعَةُ هَيْئَةٌ لِلْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بِهَا يُقْدِمُ عَلَى أُمُورٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْدِمَ كَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ مَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِخْلَاصِ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ مُتَعَدِّدٍ (وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ طَرَفَاهُ تَفْرِيطُهُ وَضَعْفُهُ الْمُسَمَّى بِالْجُبْنِ وَهُوَ التَّاسِعَ عَشَرَ) مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ وَفُسِّرَ الْجُبْنُ بِأَنَّهُ ضِدُّ الْغَضَبِ أَعْنِي سُكُونَ النَّفْسِ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّك مِنْهُ وَمَبْدَؤُهُ بُطْلَانُ شَهْوَةِ الِانْتِقَامِ (وَذَلِكَ مَذْمُومٌ جِدًّا) وَمَرَضٌ رَدِيءٌ غَايَةَ الرَّدَاءَةِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ اُسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ (لِأَنَّهُ يُثْمِرُ عَدَمَ الْغَيْرَةِ) وَالْغَيْرَةُ مِنْ الْإِيمَانِ (أَوْ قِلَّةَ الْحَمِيَّةِ) أَيْ الْأَنَفَةَ وَالِاحْتِفَاظَ (عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَ) يُثْمِرُ أَيْضًا (خِسَّةَ النَّفْسِ وَاحْتِمَالَ الذُّلِّ وَالضَّيْمِ) أَيْ الظُّلْمِ