أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ.

(وَالْعَاشِرُ إلَى مَنْعِ حَقِّهِ مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَرَدِّ مَظْلَمَةٍ) بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالِاسْتِحْلَالِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ.

(وَالْحَادِيَ عَشَرَ مَنْعُهُ) أَيْ الْحِقْدِ (عَنْ مَغْفِرَةِ صَاحِبِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْحِقْدِ وَهُوَ الْحَاقِدُ (طكط) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ» خِصَالٌ مَذْمُومَةٌ «مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ» تَعَالَى «يَغْفِرُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» يَشْكُلُ بِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ إنْ أَدَّتْ إلَى الْكُفْرِ فَكَلَامُنَا فِي حِقْدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِكُفْرٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ إلَيْهِ فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَفْهُومِ فَافْهَمْ فَانْظُرْ «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ» تَعَالَى (شَيْئًا) وَهُوَ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ سَاحِرًا مِنْ السَّحَرَةِ» كُفْرٌ إنْ رَأَى التَّأْثِيرَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَبِيرَةٌ إنْ رَأَى بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أُرِيدَ مِنْ الشِّرْكِ مُطْلَقُ الْكُفْرِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ فَيَكُنْ مِنْ قَبِيلِ كَوْنِ قَسِيمِ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ أَوْ لَا يَغْفِرُ غَيْرَ شِرْكٍ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ كَمَا عَرَفْت آنِفًا وَإِنْ أُرِيدَ الشِّرْكُ الْمَخْصُوصُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَغْفِرَ الْكُفْرَ غَيْرَ شِرْكٍ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا قُوبِلَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِالْعَامِّ مَا عَدَا الْخَاصَّ فَانْظُرْ أَيْضًا. «وَمَنْ لَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ» فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْحِقْدَ شُؤْمٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّهِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مَا لَا يُحْصَى وَهُوَ مِنْ الْبَلَايَا الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا الْمُنَاظِرُونَ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَكَادُ الْمُنَاظِرُ يَنْفَكُّ عَنْهُ إذْ لَا تَرَى مُنَاظِرًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا يُضْمِرَ الْحِقْدَ عَلَى مَنْ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ عِنْدَ كَلَامِ خَصْمِهِ وَيَتَوَقَّفُ فِي كَلَامِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ بِحُسْنِ إصْغَاءٍ بَلْ يُضْمِرُ الْحِقْدَ وَيُرَتِّبُهُ فِي النَّفْسِ وَغَايَةُ تَمَسُّكِهِ الْإِخْفَاءُ بِالنِّفَاقِ ثُمَّ إنَّ وَجْهَ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ لِلْحَاقِدِ كَمَا لَا يَغْفِرُ لِلْمُشْرِكِ وَالسَّاحِرِ فَيُرَدَّانِ، أُرِيدَ مِنْ الْحِقْدِ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ذَاتِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِلَّا فَيُنَافِي أَيْضًا الْآيَةَ السَّابِقَةَ عَلَى أَنَّ الِاحْتِجَاجَ كَمَا عَرَفْت بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلِمَةَ مَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] لَيْسَ بِعَامٍّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا الْمَوْصُولَةُ أَوْ الْمَوْصُوفَةُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فِي الْعُمُومِ بَلْ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَإِنْ سَلِمَ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ عَفْوُهُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ غَيْرَ الشِّرْكِ لَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ السِّحْرَ وَالْحِقْدَ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كُفْرًا وَجَازَ عَفْوُهُمَا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ أَوْ كَعَدَمِ الْوَاقِعِ لِكَمَالِ قِلَّتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْ الْبَعْضِ وَالْمُخَصِّصُ هَذَا الْحَدِيثُ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا (طط) الطَّبَرَانِيُّ وَفِي الْأَوْسَطِ (عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تُعْرَضُ) وَالْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَلَكٌ يُوَكِّلُهُ جَمِيعَ صُحُفِ الْأَعْمَالِ وَضَبْطُهَا كَذَا فِي الْفَيْضِ لَكِنْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُعْرَضُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَفْرَحُونَ بِحَسَنَاتِهِمْ وَتَزْدَادُ وُجُوهُهُمْ بَيَاضًا وَإِشْرَاقًا فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَلَا تُؤْذُوا مَوْتَاكُمْ» فَالْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأُصُولُ إذْ النُّصُوصُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا آخَرَ أَوْ بِقَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَافْهَمْ.

( «الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ وَهَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابَ عَلَيْهِ وَيُرَدُّ أَهْلُ الضَّغَائِنِ» بِالْمُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ ضَغِينَةٍ مِنْ ضَغِنَ صَدْرُهُ ضَغَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ حَقَدَ «بِضَغَائِنِهِمْ» أَيْ بِسَبَبِهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015