الثَّانِيَ مُنْكَرٌ.
وَعَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ، وَعَنْ الْهَيْثَمِيِّ أَيْضًا مَتْرُوكٌ وَكَذَا عَنْ النَّيْسَابُورِيِّ وَعَدَّهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاكِيرِ وَبِالْجُمْلَةِ الِاحْتِجَاجُ عَلَى إطْلَاقِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَدَارُهُ النُّصُوصُ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَعِلَّتُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ سِيَّمَا عِنْدَ إدْرَاكِ الْعِلَّةِ فَالْمَذْكُورُ إمَّا عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ أَوْ مُسْتَنْبَطَةٌ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ ذَلِكَ مُرَادَهُ قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَيْ حَاصِلُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(ثُمَّ الْمُتَعَدِّيَةُ) مُطْلَقًا (نَوْعَانِ أُخْرَوِيٌّ) فِيهِ نَفْعٌ أُخْرَوِيٌّ لِلْغَيْرِ (وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ إذْ هُوَ عَمَلُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) إذْ شَأْنُهُمْ تَعْلِيمُ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ وَتَبْلِيغُ الْأَحْكَامِ الرَّبَّانِيَّةِ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا النَّوْعِ (فُضِّلُوا) بِالْبِنَاءِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ فِعْلِ فُضِّلُوا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ لَا يَخْفَى أَنَّ تَفْضِيلَ الْأَنْبِيَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَدْخَلِيَّةِ لَا بِالْحَصْرِ وَأَنَّهُ يُشْعِرُ عَدَمَ مَدْخَلِ أَعْمَالِهِمْ فِي تَفْضِيلِهِمْ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَفْضِيلَهُمْ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِسَبَبِ الِابْتِدَاءِ وَبِالِاخْتِصَاصِ بِهِمْ وَكَلَامُنَا عِنْدَ إقَامَةِ الْغَيْرِ هَذَا الْأَمْرَ وَأَنَّ قِيَاسَ حَالِ الْأُمَّةِ عَلَى حَالِ النَّبِيِّ قِيَاسٌ مَعَ فَارِقٍ ظَاهِرٍ.
وَقَدْ كَانَ عِلَّةُ الْأَصْلِ مَقْصُودًا بِهِ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِالْغَيْرِ (خَرَّجَ دَيْلَمٌ) أَبُو مَنْصُورٍ الدَّيْلَمِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ بَابًا» نَوْعًا «مِنْ الْعِلْمِ» النَّافِعِ الزَّاجِرِ «لِيُعَلِّمَ النَّاسَ» لِمُجَرَّدِ رِضَاهُ تَعَالَى يَعْنِي نِيَّتُهُ تَعْلِيمُ النَّاسِ قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ فِي تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَإِلَى عَدَمِ شَرْطِيَّةِ إحَاطَةِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ فِي الْمُعَلِّمِ وَإِلَى شَرْطِيَّةِ إحَاطَةِ جَمِيعِ أَرْكَانِ الْمَسْأَلَةِ وَشَرَائِطِهَا فَمَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ بَابٌ مِنْهُ انْتَهَى.
«أُعْطِيَ» مِنْ اللَّهِ تَعَالَى «ثَوَابَ سَبْعِينَ صِدِّيقًا» مِنْ أَوْزَانِ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الْمَبَالِغُ فِي الصِّدْقِ وَهُوَ الَّذِي كَمُلَ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا لِصَفَاءِ بَاطِنِهِ وَقُوَّتِهِ بِبَاطِنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشِدَّةِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الصِّدِّيقُونَ الَّذِينَ صَعِدَتْ نُفُوسُهُمْ تَارَةً بِمَرَاقِي النَّظَرِ فِي الْحِجَجِ، وَالْآيَاتِ وَأُخْرَى بِمَعَارِجِ التَّصْفِيَةِ وَالرِّيَاضَاتِ إلَى أَوْجِ الْعِرْفَانِ عَلَى مَا اطَّلَعُوا عَلَى الْأَشْيَاءِ وَأَخْبَرُوا عَنْهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَالْعَالِمُ دَاخِلٌ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ فِي مَفْهُومِ الصِّدِّيقِ فَيَلْزَمُ تَفْصِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَفْضِيلِ الْمُتَعَلِّمِ مَعَ الصِّدِّيقِ بِحَسَبِ إعْطَاءِ الثَّوَابِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْمُتَعَلِّمِ عَلَى الْمُعَلِّمِ، فَالْحَدِيثُ مُشْكِلٌ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى دَفْعِ إشْكَالِهِ أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِحَسَبِ قَصْدِ تَعْلِيمِ النَّاسِ فَالْمُتَعَلِّمُ لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ مُثَابٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَوَابِ الصِّدِّيقِ الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لِلْعَالِمِ لَكِنْ ذَلِكَ الْعَالِمُ لَا يُعَلِّمُ الْغَيْرَ بَلْ يَتَعَاقَدُ لِلْعَمَلِ فَالْمُتَعَلِّمُ الْقَاصِدُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ أُعْطِيَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَالْعَالِمِ كَذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا أُعْطِيَ لِلْعَالِمِ الَّذِي لَا يُعَلِّمُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَمَلِ.
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُؤَوَّلٌ أَيْضًا إمَّا بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ ثَوَابِ سَبْعِينَ صِدِّيقًا أَوْ بَعْضِ ثَوَابِ سَبْعِينَ وَقِيلَ ثَوَابُ السَّبْعِينَ غَيْرُ مُضَاعَفٍ وَلَهُ مُضَاعَفٌ، وَلَعَلَّ السَّبْعِينَ لِلتَّكْثِيرِ لَا لِلْعَدَدِ فَتَأَمَّلْ بَعْدُ.
(وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا تَعَلَّمَ رَجُلَانِ عِلْمًا عِلْمَ الصَّلَاةِ) الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ إذْ شَرَفُ الْعِلْمِ عَلَى قَدْرِ شَرَفِ مَعْلُومِهِ (أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ الْمُهِمَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ (أَحَدُهُمَا يَتَعَلَّمُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَ) الرَّجُلُ (الْآخَرُ) يَتَعَلَّمُ (لِيَعْمَلَ بِهِ) بِعِلْمِهِ (فَاَلَّذِي يَتَعَلَّمُ لِيُعَلِّمَ) غَيْرَهُ (أَفْضَلُ) مِنْ الَّذِي يَتَعَلَّمُ لِيَعْمَلَ بِهِ (لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ أَكْثَرُ لِلنَّاسِ وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ الدِّينِ) لِإِبْقَاءِ شَرِيعَةِ اللَّهِ وَإِجْرَاءِ حُكْمِ اللَّهِ وَحِمَايَتِهَا عَنْ الضَّيَاعِ وَصِيَانَتِهَا عَنْ الضَّعْفِ، وَالِانْطِمَاسِ (انْتَهَى) كَلَامُ التَّجْنِيسِ.
(وَدُنْيَوِيٌّ) عَطْفٌ عَلَى أُخْرَوِيٍّ كَوْنُهُ