مِنْ الدُّنْيَوِيِّ لِكَوْنِهِ بِوَاسِطَةِ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَإِلَّا فَهَذَا أُخْرَوِيٌّ أَيْضًا (كَالصَّدَقَةِ) زَكَاةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَإِنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ أَيْضًا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ وَلَوْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا (وَالْإِعَانَةِ) عَلَى الْبِرِّ، وَالتَّقْوَى (وَالدَّلَالَةِ) عَلَى الْخَيْرِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَاَللَّهُ يُحِبُّ إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ» .
(وَالشَّفَاعَةِ) الْحَسَنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85]- (وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ) كَالْجِسْرِ فُرِّقَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ بِالْبِنَاءِ، وَالثَّانِيَ أَعَمُّ (وَنَحْوِهَا) كَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِينَ، فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ مَنْ أَغَاثَ مَلْهُوفًا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ مَغْفِرَةً وَاحِدَةٌ مِنْهَا صَلَاحُ أَمْرِهِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ لَهُ دَرَجَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ أَيْضًا «مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَاجَةً كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَمَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ» وَنَحْوِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالسِّقَايَاتِ، وَالرِّبَاطِ وَنَحْوِهَا (وَتَسْوِيَةِ الطُّرُقِ) بِنَحْوِ رَفْعِ الْأَحْجَارِ وَتَسْهِيلِ الْمُرُورِ بِأَيِّ وَجْهٍ (وَإِمَاطَةِ الْأَذَى) أَيْ إزَالَةِ مَا يُؤْذِي الْمَارِّينَ (عَنْهَا) عَنْ الطُّرُقِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» .
(فَهَذَا) النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ (مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا) بَيْنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَالْعِبَادَةِ الْقَاصِرَةِ (دُونَ الْأَوَّلِ) تَحْتَهُ لِتَمَحُّضِهِ فِي الْأُخْرَوِيَّةِ (وَفَوْقَ الْقَاصِرَةِ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهَا أَصْلًا أَوْ تَعَدِّي الْأَوَّلِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَدِيمُ إلَى انْقِرَاضِ الزَّمَانِ وَأُشِيعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْتَشِرُ شَرْقًا وَغَرْبًا (كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالذِّكْرِ) لَكِنْ يَشْكُلُ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]- فُسِّرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ حَيْثُ الْفَضْلُ وَبِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ ظَاهِرُهَا كَوْنُ الذِّكْرِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى حَسَبِ شَرَفِ الْمَذْكُورِ، كَحَدِيثِ الْحِصْنُ الْحَصِينُ.
«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ» الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلَ لِلْفَرْدِ السَّابِقِ.
وَفِي الْجَامِعِ: «أَفْضَلُ الْعِبَادِ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا» قَالُوا فِي شَرْحِهِ فَالذِّكْرُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَرَأْسُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَأْسُ كُلِّ سَعَادَةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَسْبِقُهَا عَمَلٌ وَلَا تَتْرُكُ ذَنْبًا» .
وَحَدِيثُ «أَفْضَلُ مَا أَقُولُ أَنَا، وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَتَفْضِيلُ الْعَكْسِ إمَّا عَنْ رَأْيٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَوْ تَرْجِيحِ مَرْجُوحٍ فَتَأَمَّلْ (وَالدُّعَاءِ فَلِذَا) لِأَجْلِ كَوْنِ هَذَا النَّوْعِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَاصِرَةِ (كَانَ الِاشْتِغَالُ بِأَمْرِ النِّكَاحِ) التَّزَوُّجِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى حُقُوقِهِ (وَالْكَسْبِ) مِنْ الْحَلَالِ (لِأَجْلِ التَّصَدُّقِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي) التَّقَاعُدِ (لِلْعِبَادَةِ) ؛ لِأَنَّ فِي النِّكَاحِ تَكْثِيرَ الْأُمَّةِ وَإِعْفَافَ النَّفْسِ، وَفِي الصَّدَقَةِ دَفْعَ احْتِيَاجِ الْفَقِيرِ.
قَالَ الْمُحَشِّي: لِأَنَّ فِيهِمَا نَفْعًا دُنْيَوِيًّا لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ التَّخَلِّي لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ سَوْقُ الْكَلَامِ فِيهِ.
(فَعَلَيْك أَيُّهَا السَّالِكُ) مِنْ خُرَافَاتِ هَذَا الْعَالِمِ الرِّجْسِ، وَالزُّورِ إلَى مَقَاصِدِ أَنْوَاعِ عَيَالِمِ الْقُدْسِ، وَالنُّورِ. أَقُولُ يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ إثْبَاتِ فَضْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُوصِيَ بِالْجِدِّ فِي اسْتِحْصَالِ الْعِلْمِ بِلَا مُبَالَاةِ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ (بِالْجِدِّ) أَيْ السَّعْيِ، وَالِاجْتِهَادِ (وَالْمُوَاظَبَةِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ) أَيْ اكْتِسَابِهِ وَارْتِكَابِ الْمَشَاقِّ، وَالْكُلْفَةِ فِي طَرِيقِهِ لِعِظَمِ شَرَفِهِ وَقُوَّةِ فَضْلِهِ بِمَا سَمِعْت سَابِقًا (فَلَا تُصْغِ) مِنْ الْإِصْغَاءِ أَيْ لَا تَلْتَفِتْ (إلَى تُرَّهَاتِ) أَبَاطِيلِ (جَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ)