«وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ» أَيْ الْعُزْلَةِ عَنْ النَّاسِ إذْ حَالُ الصَّاحِبِ، وَالْأَنِيسِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ «وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ» أَيْ مُرْشِدٌ لِمَا يَسُرُّ الْعَبْدَ «، وَالضَّرَّاءِ» حَالَ الضَّرَرِ كَالْمَرَضِ فَيُعْلَمُ بِهِ الْمَنَافِعُ، وَالْمَضَارُّ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا «، وَالسِّلَاحُ» الَّذِي يَكُونُ آلَةً لِلْمُحَارِبَةِ، وَالْمُقَاتَلَةِ «عَلَى الْأَعْدَاءِ» دِينِيًّا كَالنَّفْسِ، وَالشَّيْطَانِ وَفَسَقَةِ الْإِنْسَانِ وَدُنْيَوِيًّا بِإِضْمَارِ الْحَسَدَةِ، وَالْمُبْغِضِينَ «وَالزَّيْنُ» ، وَالزِّينَةُ، وَالْهَيْئَةُ الْحَسَنَةُ «عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] «فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً» جَمْعُ قَائِدٍ دُعَاةً إلَيْهِ يَجْذِبُونَ النَّاسَ بِسَلَاسِلِ الْحُجَجِ، وَالْبَيِّنَاتِ إلَى نَعِيمِ الْجَنَّاتِ «وَأَئِمَّةً» جَمْعُ إمَامٍ «يُقْتَصُّ آثَارُهُمْ» فِي الْقَامُوسِ قَصَّ أَثَرَهُ قَصًّا وَقَصِيصًا تَتَبَّعَهُ أَيْ فِي حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ ( «وَيُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ» .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: فَعَالٌ كَسَحَابٍ اسْمُ الْفِعْلِ الْحَسَنُ، وَالْكَرَمُ «وَيُنْتَهَى» بِالْمَفْعُولِ أَيْ يُرْجَعُ «إلَى آرَائِهِمْ» فِي الْأَحْكَامِ، وَالْحَوَادِثِ، وَالْوَقَائِعِ «وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خُلَّتِهِمْ» أَيْ صُحْبَتِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ فَلَا يُفَارِقُونَهُمْ وَيُلْهِمُونَهُمْ الْخَيْرَ وَيُحَذِّرُونَهُمْ مِنْ الشَّرِّ.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْخِلَّةُ بِالْكَسْرِ هِيَ الصَّدَاقَةُ، وَالْإِخَاءُ، وَالْخُلَّةُ أَيْضًا الصَّدِيقُ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالْوَاحِدِ، وَالْجَمْعِ، وَالْخِلُّ بِالْكَسْرِ، وَالضَّمِّ الصَّدِيقُ الْمُخْتَصُّ أَوْ لَا يُضَمُّ إلَّا مَعَ وُدٍّ «وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ» حِفْظًا لَهُمْ وَتَعْظِيمًا بِهِمْ وَتَوْقِيرًا إيَّاهُمْ «يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ رَطْبٍ» قِيلَ رُوحَانِيٍّ «وَيَابِسٍ» جُسْمَانِيٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالْبَرِّيِّ، وَالْبَحْرِيِّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ.
فَقَوْلُهُ «وَحِيتَانُ الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ» أَيْ بَوَاقِي حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إلَى آخِرِهِ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَ التَّخْصِيصِ قَرِيبًا «وَسِبَاعُ الْبَرِّ» بِالْفَتْحِ ضِدَّ الْبَحْرِ ( «وَأَنْعَامُهُ» جَمْعُ نَعَمٍ بِالتَّحْرِيكِ، وَقَدْ يُسَكَّنُ عَيْنُهُ، وَهِيَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَنَاعِيمَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَامُوسِ «لِأَنَّ الْعِلْمَ» الْمَقْرُونَ بِالْعَمَلِ، وَالْإِخْلَاصِ «حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنْ» مَوْتِ «الْجَهْلِ، وَمَصَابِيحُ الْأَبْصَارِ» يَعْنِي نُورَ الْأَبْصَارِ وَضِيَاءَهَا «مِنْ الظُّلَمِ» لِأَنَّ كُلَّ خَفِيٍّ يَنْكَشِفُ بِالْعِلْمِ.
«يَبْلُغُ الْعَبْدُ بِالْعِلْمِ مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ» جَمْعُ خَيِّرٍ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى كَثِيرِ الْخَيْرِ إمَّا لِلْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ أَوْ لِإِبْقَاءِ شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ وَحْيِ اللَّهِ أَوْ بِالتَّدْرِيسِ، وَالتَّعْلِيمِ، وَالْعِظَةِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ «وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدُّنْيَا» بِكَوْنِهِ مُمْتَازًا وَمُعَظَّمًا عِنْدَ سَائِرِ النَّاسِ وَلِذَا تَرَى الْعَالِمَ الْعَامِلَ، وَالْمُتَقَاعِدَ لِلطَّاعَةِ وَجِيهًا مُحْتَرَمًا وَمُهَابًا مُحْتَشِمًا عِنْدَ النَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ مُتَوَاضِعًا حَلِيمًا.
وَقَدْ يُظْهِرُ فِي يَدِهِ خَوَارِقَ بِالْكَرَامَاتِ الْعِيَانِيَّةِ، وَيَجْعَلُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا خَادِمَةً لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا دُنْيَا اُخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي وَأَتْعِبِي مَنْ خَدَمَك» وَجَعَلَ حُكْمَ مُهِينِهِ وَمُسْتَأْذِيهِ وَشَاتِمِهِ وَضَارِبِهِ