بِالْكَسْبِ، وَالْأَخْذِ عَنْ الْأُسْتَاذِ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ لَيْسَ الْعِلْمُ الْمُعْتَبَرُ إلَّا الْمَأْخُوذَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَوَرَثَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ وَتَعَلُّمُهُ طَلَبُهُ وَأَخْذُهُ عَنْهُمْ حَيْثُ كَانُوا فَلَا عِلْمَ إلَّا بِتَعْلِيمٍ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ مِنْ نَائِبِهِ وَمَا تُفِيدُهُ الْعِبَادَةُ، وَالتَّقْوَى، وَالْمُجَاهَدَةُ، وَالرِّيَاضَةُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُوَافِقُ الْأُصُولَ وَيَشْرَحُ الصُّدُورَ وَيُوَسِّعُ الْعُقُولَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَعَلَّمُوا فَأَحَدُكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يُحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُتَكَبِّرٌ.
وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَ نِلْت هَذَا الْعِلْمَ قَالَ بِلِسَانٍ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ انْتَهَى.
«وَ» إنَّمَا «الْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ» أَيْ التَّكَلُّفِ، وَالْإِتْعَابِ فِي تَحْصِيلِهِ لَا بِسُهُولَةٍ خِلَافَ مُتَوَهِّمِي جَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ حُصُولِهِ بِلَا تَعَلُّمٍ بِنُورِ التَّوْحِيدِ، وَقِيلَ أَيْ التَّفَهُّمُ بِقُوَّةِ نُورِ الْخُشُوعِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالتَّقْوَى، لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُقَالَ أَيْ الْعَمَلُ بِالْفِقْهِ وَكَمَالِ الْعَمَلِ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفِقْهِ، وَالِاسْتِقَامَةِ، وَالرِّعَةِ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّقْوَى، وَالْخَوْفِ، وَالْخَشْيَةِ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا.
«وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا» أَيْ كَامِلًا بَاعِثًا لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ «يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» عِلْمِ الشَّرِيعَةِ « {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] » سَوَاءٌ كَانَ خَوْفَ هَيْبَةٍ وَإِجْلَالٍ أَوْ خَوْفَ عَذَابٍ وَعِقَابٍ.
وَالتَّخْصِيصُ بِالْأَوَّلِ كَمَا تُوُهِّمَ يَقْتَضِي أَمْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَاَلَّذِينَ بُشِّرُوا بِالْجَنَّةِ بَعِيدٌ فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مِنْ لَا خَشْيَةَ لَهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَعِلْمُهُ الصُّورِيُّ لَيْسَ بِعِلْمٍ حَقِيقَةً (بِرّ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
(عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَعَلَّمُوا» أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ «الْعِلْمَ» الزَّاجِرَ النَّافِعَ وَمَبَادِئَهُ إذْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ وَشَرَائِطِهِ «فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى» الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ «خَشْيَةً» لَهُ تَعَالَى لَا لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} [الأحزاب: 39] «وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ وَمُذَاكَرَتَهُ» بِأَغْرَاضٍ حَمِيدَةٍ وَأَسَالِيبَ مُرْضِيَةٍ، وَفَرْقُ الْمُذَاكِرَةِ مَعَ التَّعَلُّمِ، الْأَوَّلُ: مَعَ مَنْ عَلِمَ كَالْمُسَاوِي، وَالثَّانِي: لِمَنْ لَا يَعْلَمُ كَالْمُسْتَفِيدِ «تَسْبِيحٌ» إمَّا تَنْزِيهُ حَقِيقَةٍ كَمَا فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ تَنْزِيهُ مُشَابَهَةٍ ثَوَابًا كَمَا فِي الْعَمَلِيَّةِ.
«، وَالْبَحْثَ» الْمُبَاحَثَةُ، وَالْمُنَاظَرَةُ لِمُجَرَّدِ إظْهَارِ الصَّوَابِ «عَنْهُ جِهَادٌ» ثَوَابُ جِهَادٍ فِي الْمَشَقَّةِ أَوْ فِي إعْلَاءِ دِينِ اللَّهِ وَإِعْزَازِ كَلِمَتِهِ الْعُلْيَا، وَقِيلَ مُجَاهَدَةُ نَفْسٍ «وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ» ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ إحْسَانٍ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ ضَعِيفٌ مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ إذْ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرَةِ «وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ» إلَيْهِ تَعَالَى يَعْنِي زِيَادَةَ قُرْبَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
وَقِيلَ: قُرْبَةٌ إلَى الْأَهْلِ لِكَوْنِهِ صِلَةً لَهُ «لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ» أَيْ شَعَائِرُهُ وَعَلَامَتُهُ فَإِنَّ مَعْرِفَتَهُمَا مُنْحَصِرَةٌ بِالْعِلْمِ ( «وَمَنَارُ» وَهُوَ الْجَبَلُ وَمَا يُوضَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْحُدُودِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ وَمَوْضِعِ النُّورِ «سُبُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ الْأَنِيسُ فِي الْوَحْشَةِ» لِمَا فِيهِ مِنْ الْأُنْسِيَّةِ «وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ» عَنْ الْأَوْطَانِ، وَالْأَقْرَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» .