يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ طَالِبِينَ لِتَخْلِيَتِهِمْ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَلَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ الْأَوْضَارِ، وَالْأَدْنَاسِ؛ لِأَنَّ بَرَكَةَ عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ سَبَبٌ لِانْتِظَامِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَذِكْرُ النَّمْلَةِ، وَالْحُوتِ بَعْدَ ذِكْرِ الثَّقَلَيْنِ، وَالْمَلَائِكَةِ تَتْمِيمٌ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَخَصَّ النَّمْلَةَ، وَالْحُوتَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطَرِ وَحُصُولِ الْخَيْرِ، وَالْخِصْبِ بِبَرَكَتِهِمْ كَمَا قَالَ «بِهِمْ تُنْصَرُونَ وَبِهِمْ تُرْزَقُونَ» حَتَّى الْحُوتِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْعُلَمَاءِ افْتِقَارَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ فِي جَوْفِ الْمَاءِ يَعِيشُ أَبَدًا بِبَرَكَتِهِمْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ» جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ بَيْنَ الْعَالِمِ، وَالْعَابِدِ وَأَنَّ نَفْعَ الْعَابِدِ مَقْصُورٌ عَلَى نَفْسِهِ وَنَفْعَ الْعَالِمِ مُتَجَاوِزٌ إلَى الْخَلَائِقِ حَتَّى النَّمْلَةِ، وَذَكَرَ النَّمْلَةَ؛ لِأَنَّ دَأْبَهَا الْقِنْيَةُ وَادِّخَارُ الْقُوتِ فِي جُحْرِهَا ثُمَّ التَّدَرُّجُ مِنْهَا إلَى الْحِيتَانِ وَإِعَادَةُ كَلِمَةِ الْغَايَةِ لِلتَّرَقِّي، وَلَا رُتْبَةَ فَوْقَ رُتْبَةِ مَنْ تَشْتَغِلُ الْمَلَائِكَةُ مَعَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلِذَا لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ، وَإِنَّهُ لَيُتَنَافَسُ فِي دَعْوَةِ رَجُلٍ صَالِحٍ فَكَيْفَ بِدُعَاءِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَأَمَّا إلْهَامُ الْحَيَوَانَاتِ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ فَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَنَافِعِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ هُمْ الْمُبَيِّنُونَ الْحِلَّ، وَالْحَرَامَ وَيُوصُونَ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهَا وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْهَا حَتَّى بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ شُكْرٌ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْبَشَرِ آكَدُ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُمْ إلَى الْعِلْمِ أَشَدُّ وَعَوْدَ فَوَائِدِهِ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ وَأَتَمُّ.

(مج. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَنْبِيَاءُ» - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثُمَّ الْعُلَمَاءُ» .

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَفْظَةُ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمَّا كَانَ الْعُلَمَاءُ يُحْسِنُونَ إلَى النَّاسِ بِعِلْمِهِمْ الَّذِي أَفْنَوْا بِهِ نَفَائِسَ أَوْقَاتِهِمْ أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ بِوِلَايَةِ مَقَامِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِالشَّفَاعَةِ جَزَاءً وِفَاقًا «ثُمَّ الشُّهَدَاءُ» اتَّفَقُوا بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى فَضْلِ الْعَالِمِ عَلَى الشَّهِيدِ لِأَنَّ كُلَّ عَامِلٍ إنَّمَا يَتَلَقَّى عَمَلَهُ مِنْ الْعَالِمِ فَهُوَ أَصْلُهُ وَأُسُّهُ وَعَكَسَ آخَرُونَ بِأَحَادِيثَ.

قَالَ الزَّمْلَكَانِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَشْخَاصِ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ. فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْحَصْرَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ ثَبَتَ شَفَاعَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَالصُّلَحَاءِ وَغَيْرِهِمْ. قُلْنَا إنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِي لِمَا عَدَاهُ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ بَلْ مُطْلَقُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا خُصُوصًا فِي الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إرْجَاعُ ذَلِكَ الْبَاقِي إلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ.

(طك) طَبَرَانِيٌّ فِي الْكَبِيرِ (عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا» يَحْصُلُ «الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015