قِوَامُهُ.
(وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) وَاَللَّهِ (لَأَنْ أَجْلِسَ سَاعَةً) الظَّاهِرُ التَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ، وَالسَّاعَةُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَدِيدَيْنِ، وَالْوَقْتُ الْحَاضِرُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (فَأَفْقَهُ) أَيْ أَتَعَلَّمُ الْفِقْهَ (أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) بِالْقِيَامِ، وَالتَّهَجُّدِ مَعَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
(وَفِي رِوَايَةِ لَيْلَةٍ إلَى الصَّبَاحِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقُ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةِ تَجْعَلُ اللَّيْلَةَ الْمُطْلَقَةَ مُقَيَّدَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى تَفَاوُتِ الْمُتَعَلِّمِينَ وَتَفَاوُتِ عِلْمِهِمْ وَتَفَاوُتِ غَرَضِهِمْ فَقَالَ تَاجُ الدِّينِ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى: لَمَّا حَصَلَ التَّرَقِّي لِمُرِيدِ أَبِي تُرَابٍ النَّخْشَبِيِّ قَالَ: اذْهَبْ عِنْدَ أَبِي يَزِيدَ قَالَ الْغُلَامُ لَيْسَ لِي حَاجَةٌ إلَى أَبِي يَزِيدَ لِأَنِّي أَرَى اللَّهَ تَعَالَى جَهْرَةً فَقَالَ الشَّيْخُ رُؤْيَةُ أَبِي يَزِيدَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَحْسَنُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ سَبْعِينَ مَرَّةً. فَإِنْ قِيلَ إنَّ جِنْسَ هَذَا الْمَطْلَبِ لَا يُمْكِنُ وَصْلَتُهُ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَطَالِبِ السَّمْعِيَّةِ فَأَيْنَ يَعْلَمُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْحَدِيثِ وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ الصُّفَّةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مِنْ السَّمْعِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الْخَبَرِ الْمَوْقُوفِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ.
(ت. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» فِي الشَّرَفُ، وَالرِّفْعَةِ أَيْ نِسْبَةُ شَرَفِ الْعَالِمِ إلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِ الرَّسُولِ إلَى أَدْنَى شَرَفِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ شُبِّهُوا بِالنُّجُومِ فِي حَدِيثِ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَهَذَا التَّشْبِيهُ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَالِمِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلِلْعَابِدِ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْمُصْطَفَى وَبِالْعِلْمِ يَسْتَدْعِي الْمُشَارَكَةَ فِيمَا فُضِّلُوا بِهِ مِنْ الْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ كَيْفَ لَا، وَالْعِلْمُ مُقَدِّمَةٌ لِلْعَمَلِ وَصِحَّةُ الْعَمَلِ مُتَوَفِّقَةٌ عَلَى الْعِلْمِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ إنَّمَا كَانَ الْعَالِمُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ عَامِلًا؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا فَعِلْمُهُ وَبَالٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَابِدُ بِغَيْرِ فِقْهٍ فَمَعَ نَقْصِهِ هُوَ أَفْضَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ فَقِيهٍ بِلَا تَعَبُّدٍ كَفَقِيهٍ هِمَّتُهُ فِي الشُّغْلِ بِالرِّيَاسَةِ انْتَهَى أَشْكَلَ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْعَابِدِ مَنْ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ أَصْلًا يَعْنِي عِلْمَ عِبَادَتِهِ فَفَاسِقٌ عَابِثٌ فَلَا فَضْلَ لَهُ أَصْلًا، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيمَا لَهُ فَضْلٌ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا بِعِبَادَتِهِ فَمُخَالِفٌ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَى فَضْلِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا إذْ الْعِلْمُ مَقْصُودٌ لِلْعِبَادَةِ وَمَا يُرَادُ لِلْغَيْرِ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ مِنْهُ. أَقُولُ هَذَا دِرَايَةٌ فِي مُقَابَلَةِ رِوَايَةٍ، وَإِنَّ الْحُسْنَ لَيْسَ بِعَقْلِيٍّ مَحْضٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا يُرَادَ لِلْغَيْرِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ، وَالنَّوَافِلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ مِنْ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ بَعْدَ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ» هُمْ الْمَلَائِكَةُ «وَالْأَرْضِ» مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُبَّادِ، وَالزُّهَّادِ، وَالْوُرَّاعِ بَلْ مُطْلَقُ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ مُطْلَقُ الْحَيَوَانَاتِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ «حَتَّى النَّمْلَةِ فِي جُحْرِهَا، وَالْحِيتَانِ» جَمْعٌ حُوتٍ بِمَعْنَى: السَّمَكِ «فِي الْبَحْرِ يُصَلُّونَ» يَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ وَيُثْنُونَ «عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ