يَكْفُرُ) أَيْ إيقَاعَهُ فِي الْخَجْلَةِ لَعَلَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ الضَّرُورِيَّةِ لِاسْتِلْزَامِهِ رِضَا كُفْرِ غَيْرِهِ.
(قَالَ) أَيْ فِي الْخُلَاصَةِ (رَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَعِنْدِي لَا يَكْفُرُ إلَّا أَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ) لَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْكُفْرِ كُفْرًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى كُفْرِهِ أَوْ الْأَوَّلُ فِي ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَهَذَا فِي مَحَلٍّ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَأَمَّا التَّخْجِيلُ فِي غَيْرِ الشَّرْعِيَّاتِ فَالظَّاهِرُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ (انْتَهَى) أَقُولُ قَرِيبٌ إلَيْهِ مَا فِي التتارخانية (، وَالْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا) عَصْرُ التِّسْعِمِائَةِ (أَنْ يُنَاظِرَ أَحَدًا إذْ قَلَّمَا يُوجَدُ مَنْ يُرِيدُ إظْهَارَ الصَّوَابِ) لَيْسَ هَذَا سُوءُ ظَنٍّ بَلْ بِمُشَاهَدَةٍ وَتَجْرِبَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفْسَدَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْمَفْسَدَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَقَدْ كَانَتْ الْكَثْرَةُ هُنَا فِي جَانِبِ الْمَفْسَدَةِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا رَاجِعٌ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ فَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ عِنْدَنَا. قُلْنَا بَلْ مِنْ قَبِيلِ إلْحَاقِ الْمُفْرَدِ بِالْأَعَمِّ، وَالْأَغْلَبِ وَإِنَّ الْأَصْلَ فِي وَضْعِ الْأَحْكَامِ هُوَ الشُّيُوعُ، وَالْكَثْرَةُ لَا الْقِلَّةُ، وَالنُّدْرَةُ وَعَنْ بَحْرِ الْكَلَامِ الْمُنَاظَرَةُ فِي الدِّينِ جَائِزَةٌ إلَّا لِمُرَاءٍ وَقَاصِدِ طَلَبِ جَاهٍ وَثَنَاءٍ وَإِرَادَةِ دُنْيَا لَكِنْ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَحْمُودِيَّةِ قَصْدِهِ فَجَائِزٌ بَلْ قَدْ يَجِبُ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ)
مِنْ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ (فِي الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا وَهِيَ مَعْرِفَةُ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَوَافِلِهَا) الْمُرَادُ الْجِنْسُ وَإِلَّا فَبَيَانُ جَمِيعِ الْفَضَائِلِ، وَالنَّوَافِلِ مَعَ عَدَمِ وُقُوعِهِ هُنَا لَا يُمْكِنُ فِي ذَاتِهِ عَادَةً (وَسُنَنِهَا) الظَّاهِرُ فِي مُقَابَلَةِ مُطْلَقِ الْفَضَائِلِ هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ وَإِنْ عَمَّمَ وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَنْدُوبِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ بَلْ الْعَامِّ إلَى السُّنَّةِ وَلَوْ عُمُومَ مَجَازٍ إذْ قَوْلُهُ: سُنَنُهَا عَطْفٌ عَلَى فَضَائِلِ أَعْمَالِ الْوَاقِعَةِ فِي بَيَانِ الْعُلُومِ الْمَنْدُوبَةِ لَكِنَّ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ (وَمَكْرُوهَاتِهَا) بَاقٍ إذْ عِنْوَانُ هَذَا النَّوْعِ لِلْمَنْدُوبَةِ، وَالْمَكْرُوهَاتُ لَيْسَتْ بِمَنْدُوبَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ) فَيَجُوزُ بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ إذْ مُطْلَقُ مَا يَكُونُ فِعْلُهُ أَوْلَى فِي مَعْنَى النَّدْبِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ (فِيمَا وَجَدَ الْقَائِمُ بِهَا) أَيْ عِنْدَ إتْيَانِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ قِيلَ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى فُرُوضًا بَعْدُ وَلَا يُثَابُ فَاعِلُهَا ثَوَابَ الْفَرْضِ بَعْدَ إتْيَانِ مَنْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِإِتْيَانِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ نَفْلًا فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (وَالتَّعَمُّقِ) فِيهَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَضَائِلُ الْأَعْمَالِ (وَالتَّوَغُّلِ) أَيْ الْإِكْثَارُ (فِي أَدِلَّةِ فُرُوضِ الْعَيْنِ، وَالْكِفَايَةِ وَوُجُوهِهِمَا) .
قَالَ الْمُحَشِّي قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ بَلْ مُبَاحٌ لِكَوْنِهِ شُغْلًا بِمَا لَا يُهِمُّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَيْسَتْ كَمَعْرِفَتِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ (وَمِنْهَا) مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَعْنِي الْمَنْدُوبَ (الطِّبُّ قَالَ فِي بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ) عِلْمِ (الطِّبِّ) عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ وَمِزَاجٍ وَأَخْلَاطٍ (مِقْدَارَ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ عَمَّا يَضُرُّ بِبَدَنِهِ) مِنْ الْمَأْكَلِ، وَالْمُشْرَبِ، وَالْمَسْكَنِ، وَالْمَلْبَسِ (انْتَهَى) .
قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: عِلْمُ الطِّبِّ أَكْثَرُ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إلَى التَّفْصِيلِ إذْ مَا يَكُونُ دَوَاءً لِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ دَاءً لِآخَرَ فِي مَرَضٍ وَاحِدٍ وَمَا يَكُونُ دَوَاءً لِوَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ قَدْ يَكُونُ دَاءً فِي أُخْرَى وَيَخْتَلِفُ الدَّوَاءُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ، وَالْفُصُولِ، وَالْغِذَاءِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْأَمْكِنَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلَا يَجِبُ) الطِّبُّ أَقُولُ فِي التتارخانية إنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ فِي الْبَلَدِ بِذَلِكَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَأَمَّا تَعَمُّقُهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ انْتَهَى وَمِثْلُهُ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ