لَكِنْ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيُّ بِالنَّدْبِ أَيْضًا لَعَلَّ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ جَانِبَ عَدَمِ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ التَّدَاوِي لَا يَجِبُ) . وَأَشَارَ إلَى دَلِيلِهِ بِقَوْلِهِ (قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ) : لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِدْلَالُ الْمُقَلِّدِ ابْتِدَاءً فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ الَّذِي هُوَ مَنْصِبُ الْمُجْتَهِدِ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الرَّأْيُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بِمِثْلِ مَا فِي التتارخانية (رَجُلٌ اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِ غَائِطِهِ (أَوْ رَمِدَتْ عَيْنَاهُ) مَثَلًا (فَلَمْ يُعَالَجْ) مَعَ إمْكَانِ الْمُعَالَجَةِ (حَتَّى أَضْعَفَهُ) دَاؤُهُ. (وَمَاتَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ) فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ آثِمًا (وَفَرْقٌ) الظَّاهِرُ بِالتَّنْوِينِ (بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ قَادِرٌ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَكْلَ مِقْدَارُ قُوَّتِهِ فَرْضُ) عَيْنٍ (لِأَنَّ فِيهِ شِبَعًا بِيَقِينٍ) يَعْنِي أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ هَاهُنَا تَابِعَةٌ لِقَطْعِيَّةِ الدَّوَاءِ فَإِنَّ الشِّبَعَ يَقِينٌ (فَإِذَا تَرَكَ الْأَكْلَ كَانَ مُتْلِفًا لِنَفْسِهِ) مَعَ قُدْرَتِهِ (وَلَا كَذَلِكَ الْمُعَالَجَةُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ بِالْمُعَالَجَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ الْحُسْنِ الْعَقْلِيِّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعْلِيلِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَ أَثَرُهُ قَطْعِيًّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ثُمَّ قَوْلُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَيْ عِلْمًا قَطْعِيًّا لَا مُطْلَقًا إذْ الظَّنُّ مِنْ أَقْسَامِ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» إذْ الشَّرْطِيَّةُ لُزُومِيَّةٌ لَا اتِّفَاقِيَّةٌ، وَاللُّزُومُ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْفِكَاكِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ كَلِمَةِ " إذَا " عَلَى الْكُلِّيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثٌ آخَرُ «مَا مِنْ دَاءٍ إلَّا وَلَهُ دَوَاءٌ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ الشِّفَاءَ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» ، وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا تَخَلُّفُ بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ فَمِنْ جَهْلِ الطَّبِيبِ كَمَا أُشِيرَ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً» هَذِهِ الْكَلِمَةُ صَادِقَةُ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ مِنْ الصَّادِقِ الْبَشِيرِ عَنْ الْخَالِقِ الْقَدِيرِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فَالدَّاءُ وَالدَّوَاءُ خَلْقُهُ، وَالشِّفَاءُ، وَالْهَلَاكُ فِعْلُهُ وَرَبْطُ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ حِكْمَتُهُ وَحُكْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ بِقَدَرٍ لَا مَعْدِلَ عَنْهُ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَدَمُ الْقَطْعِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي إصَابَةِ الْحَكِيمِ، وَالطَّبِيبِ كَمَا أُشِيرَ فَالظَّنُّ فِي طَرِيقِ شَيْءٍ قَطْعِيٍّ مَانِعٌ عَنْ الْقَطْعِ كَآحَادِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ مَتْنَ الْحَدِيثِ وَإِنْ قَطْعِيًّا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ لِظَنٍّ فِي سَنَدِهِ فَتَأَمَّلْ مَا فِيهِ أَيْضًا.
(وَقَالَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ فَصْلًا (اعْلَمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُزِيلَةَ لِلضَّرَرِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ، وَالصُّورِيَّ أَوْ الِاعْتِقَادِيَّ وَإِلَّا فَالْمَوْهُومَاتُ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ أَسْبَابًا مُزِيلَةً (تَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ بِهِ) بِالتَّجْرِبَةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَالْمُشَاهَدَةِ الْيَقِينِيَّةِ (كَالْمَاءِ الْمُزِيلِ لِضَرَرِ الْعَطَشِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَزُولُ الْعَطَشُ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَالْبِطِّيخِ وَكَذَا قَوْلُهُ.
(وَالْخُبْزُ الْمُزِيلُ لِضَرَرِ الْجُوعِ) فَلَا يَضُرُّ دَفْعُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ حَتَّى تَنْتَقِضَ الْقَطْعِيَّةُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَكَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ لَيْسَا مِنْ مَقْصُودِنَا بَلْ إتْيَانُهُمَا لِإِتْمَامِ الْمَنْقُولِ مَعَ تَضَمُّنِهِ فَائِدَةَ تَوْضِيحِ الْقِسْمِ الْمَقْصُودِ وَزِيَادَةِ تَنْبِيهٍ (وَإِلَى مَظْنُونٍ) لِاحْتِمَالِ التَّخَلُّفِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا