هُمَا مَعْرُوفَانِ عِنْدَهُمْ وَمُحَرَّرَانِ فِي كُتُبِهِمْ (وَلَا نُمَكِّنُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ إلَّا بِتَقْلِيدِ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْحَصْرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ مَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَدَاوَلِ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَا شَكَّ فِي تَدَاوُلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ بَيْنَ الْإِسْلَامِيِّينَ بَلْ الثِّقَةُ مِنْهُمْ وَإِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ الْمُسْتَخْرَجِ فَهُمْ ادَّعَوْا كَوْنَ عِلْمِهِمْ فِي الْأَصْلِ شَرِيعَةً مِنْ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَانْتِهَاءِ سِلْسِلَتِهِمْ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَقِيلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ إلَى لُقْمَانَ وَقِيلَ إلَى إدْرِيسَ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ عِنْدَهُمْ هُرْمُسُ الْحَكِيمُ حَتَّى ادَّعَوْا أَنَّ هَذِهِ الْآلَاتِ النُّجُومِيَّةَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَخْرَجَهَا هُوَ هُرْمُسُ.
قَالَ فِي الْفَوَائِحِ الْمِسْكِيَّةِ إنَّ هُرْمُسَ صَعِدَ إلَى فُلْكِ زُحَلَ وَدَارَ مَعَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً حَتَّى شَاهَدَ جَمِيعَ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَنَزَلَ إلَى الْأَرْضِ فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِعِلْمِ النُّجُومِ.
وَقَالَ فِي بَعْضِ حَوَاشِي حِكْمَةِ الْعَيْنِ إنَّ أَصْلَ الْحِكْمَةِ وَحَيٌّ إلَهِيٌّ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ إنَّمَا هُوَ بِتَلَاحُقِ الْأَفْكَارِ وَتَكَاثُرِ الْآرَاءِ (فَلَا يُوجِبُ الْعَمَلَ) لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ وَمَهَّدَهُ عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ لَا عَدَمُ الْوُجُوبِ وَصَرْفُ النَّفْيِ إلَى الْقَيْدِ، وَالْمُقَيَّدِ مَعًا أَيْ لَا يَجُوزُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي الْأَصْلِ فَنَفْيُ مَا أُثْبِتَ أَوْلَى يَعْنِي يُنَافِي تَقْرِيبَ الدَّلِيلِ.
حَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامِ مَعَ طُولِهِ بِالْكَلَامِ أَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَوْنِ النُّجُومِ لَا بَأْسَ كَمَا فِي كَلَامِ الْخُلَاصَةِ، وَالْبُسْتَانِ وَبَيْنَ حُرْمَتِهِ كَمَا فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَكَلَامُ تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَكَوْنُهُ لَا بَأْسَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَوَقْتِ الصَّلَاةِ.
(وَأَمَّا سَائِرُ عُلُومِ الْفَلَاسِفَةِ) عِلْمُ الْفَلَاسِفَةِ هُوَ اسْتِكْمَالُ النَّفْسِ بِالْعِلْمِ، وَالْعَمَلِ أَوْ هُوَ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَالْمَنْطِقُ) الْمُعَرَّفُ بِآلَةٍ قَانُونِيَّةٍ تَعْصِمُ مُرَاعَتُهَا الذِّهْنَ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْفِكْرِ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ عِلْمِ الْفَلْسَفَةِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ الْقَرِيحَةِ هُوَ أَرِسْطُو وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُهُمْ جُزْءًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ مَثَلًا عَلَى وَجْهِ الْمَبْدَئِيَّةِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلْمٌ مَبْدَأً لِعِلْمٍ آخَرَ وَذَاكَ غَيْرٌ لِذَلِكَ كَمَا سَتَسْمَعُ (دَاخِلٌ فِي الْكَلَامِ) إذْ أَصْلُ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ، وَالِاسْتِدْلَالِ الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَنْطِقِ إذْ حَاصِلُهُ اسْتِحْصَالُ الْمَجْهُولَاتِ بِالْمَعْلُومَاتِ فَيَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ. اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمَنْطِقِ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْحُرْمَةِ وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهَا بَلْ بِوُجُوبِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ عِلْمُ الْفَلْسَفَةِ حَرَامٌ وَدَخَلَ فِيهِ الْمَنْطِقُ.
وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ حَرَامٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْ الْمَدَارِسِ وَسَجْنِهِمْ وَكَفِّ شَرِّهِمْ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الشَّرْعِيَّةِ مُنْكَرٌ بَشِيعٌ.
وَفِي أُنْمُوذَجِ حَفِيدٍ السَّعْدِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ حَتَّى يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِكُتُبِهِ وَمِثْلُهُ ذَكَرَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مَوْرِدًا الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْوَرَقِ الْخَالِي عَنْ الْخَطِّ وَيَجُوزُ إهَانَتُهُ فِي الشَّرْعِ.
وَعَنْ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ.
وَعَنْ قُوتِ الْقُلُوبِ أَنَّ الْجُهَّالَ جَعَلُوا أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ عُلَمَاءَ.
وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ تَضْيِيعُ الْعُمْرِ.
وَعَنْ شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ لِعَلِيٍّ الْقَارِي أَيْضًا عَنْ السُّيُوطِيّ: أَنَّهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَبَرِينَ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ.
وَعَنْ الْقَزْوِينِيِّ: رَجَعَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَحْرِيمِهِ بَعْدَمَا أَثْنَى عَلَيْهِ.
وَعَنْ السَّلَفِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ رِوَايَةِ مُشْتَغِلِهِ. وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ: الْقَوْلُ بِتَصْرِيحٍ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْحُرْمَةِ لِكَوْنِهِ تَضْيِيعَ الْعُمْرِ وَلِإِفْضَائِهِ