إلَى مَيْلِ سَائِرِ الْفَلْسَفَةِ فَمَنْ قِيلَ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنَافِي الشَّرْعِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي أُنْمُوذَجِ الْحَفِيدِ أَيْضًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: أَنَّ الْمَنْطِقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى.
وَفِي الْحَدِيقَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا فِي الْمُسْتَصْفَى: الْمَنْطِقُ مُقَدِّمَةٌ لِكُلِّ الْعُلُومِ، وَمَنْ لَا يُحِيطُ بِهَا لَا ثِقَةَ بِعُلُومِهِ.
وَفِي مُنْقِذِ الضَّلَالِ لَهُ أَيْضًا: الْمَنْطِقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدِّينِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. ثُمَّ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ هُنَاكَ لُزُومُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْآفَةُ مِنْ إهْمَالِهِ فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَمَا حَصَّلُوهُ إلَى أَنْ يُفِيدَ الْيَقِينَ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْمُنْتَقَى مَدْحُهُ الْمَنْطِقَ.
وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ سَمَّاهُ: " مِعْيَارَ الْعُلُومِ " وَمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ لَا ثِقَةَ بِعِلْمِهِ، وَالْعَلَّامَةُ الْقُطْبُ حَكَى عَنْ الْعُلَمَاءِ الْحُكْمَ بِمُطْلَقِ وُجُوبِهِ، وَالْعَلَّامَةُ الشَّرِيفُ بَعْدَمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي مُطْلَقِ وُجُوبِهِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ بِعَيْنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِكِفَايَةِ فَرْضِيَّتِهِ لِتَوَقُّفِ شِعَارِ الدِّينِ عَلَيْهِ.
وَفِي شَرْحِ حَدِيثِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ بَلْ بِلُزُومِهِ.
وَفِي الْحَدِيقَةِ: عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْمَنْطِقُ شَرْطٌ لِلِاجْتِهَادِ، وَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ مَتَى جَهِلَهُ سُلِبَ عَنْهُ اسْمُ الِاجْتِهَادِ.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الِاشْتِغَالِ بِهِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْفِقْهِ لَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنْطِقَ مُجَرَّدُ صُوَرِ الْأَدِلَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَادَّةٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ هَذِهِ الْمَادَّةَ مِنْ الشَّرْعِيَّةِ لِيَكُونَ كَدُّهُ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْ الْفَلْسَفَةِ الَّتِي لَا يَطْرُقُهُ الْعَيْبُ إلَّا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ أَحْسَنُ الْعُلُومِ وَأَنْفَعُهَا فِي كُلِّ بَحْثٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ كُفْرٌ أَوْ حَرَامٌ فَجَاهِلٌ.
وَفِي إتْقَانِ السُّيُوطِيّ: الْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِجَجِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْجَدَلِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الصَّرَاحَةِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ عِنْدَ مَنْ نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَصَرِيحُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ وَأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ جَعَلَ الْمَنْطِقَ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ مَبَادِئَ كَلَامِيَّةً لِلْأُصُولِ وَمَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحُهُ وَمُحَشِّيهِ كَالْعَضُدِ، وَالْأَبْهَرِيِّ، وَالسَّعْدِ، وَالشَّرِيفِ وَغَيْرِهِمْ وَصَنَّفَ فِي الْمَنْطِقِ كُتُبًا وَرَسَائِلَ خَلْقٌ لَا يُحْصَى مِنْ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِيلُ الْعَقْلُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْجَهَالَةِ، وَالْغَوَايَةِ، وَالْمُكَابَرَةِ وَنِسْبَةُ حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الضَّلَالَةِ سَتُبَيَّنُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» ثُمَّ الْمُحَاكَمَةُ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
قَالَ الشَّارِحُ الْحَمَوِيُّ لِلْأَشْبَاهِ عَلَى قَوْلِهِ بِالْحُرْمَةِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ أَرَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا حُرْمَةَ الْمَنْطِقِ فَلَا بُدَّ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ النَّقْلِ. أَقُولُ لَعَلَّ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى حُكْمَ الْفُقَهَاءِ بِحُرْمَةِ الْفَلْسَفَةِ وَكَانَ الْمَنْطِقُ جُزْءًا مِنْ الْفَلْسَفَةِ عِنْدَهُ حُكِمَ بِحُرْمَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ كُلُّ الْفَلْسَفَةِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ كَأَثَرِ الْإِلَهِيَّاتِ، وَالطَّلَبِ وَبَعْضِ النُّجُومِ وَنَحْوِهَا. ثُمَّ قَالَ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ: الْمُحَرَّمُ مَنْطِقُ الْفَلَاسِفَةِ.
وَأَمَّا مَنْطِقُ الْإِسْلَامِيِّينَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي الشَّرْعَ فَلَا يَحْرُمُ وَنَحْوُهُ حُكِيَ فِي الْحَدِيقَةِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَا يُلْتَزَمُ فِيهِ نَفْيُ الشَّرْعِيَّاتِ وَهُوَ مَحْمَلُ أَقْوَالِ نَحْوِ ابْنِ الصَّلَاحِ.
وَأَمَّا الْمَنْطِقُ الْمُتَدَاوَلُ الْيَوْمَ بَيْنَ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ الظَّاهِرُ إعَانَتُهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَمَعَاذَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْكِرَهُ نَحْوُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَكَفَى حُجَّةً عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَفَوَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ غَيْرَ الْعَارِفِ مَعَ عَارِفِهِ. وَفَصَّلَ الْقَوْلَ أَنَّهُ كَسَيْفِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا يُنْكَرُ فِي أَصْلِهِ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
أَقُولُ وَمِثْلُهُ عُرِفَ آنِفًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُنْقِذِ لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَحَلِّهِ أَوْ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَعَلَّ مَنْعَ السَّلَفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا شَاهَدُوا فِي زَمَانِهِمْ مِنْ جَعْلِهِمْ الْمَنْطِقَ آلَةً لِتَرْوِيجِ الْفَلْسَفِيَّاتِ، وَلِهَجْرِ الشَّرْعِيَّاتِ لِأَنَّهُ أَوَانُ أَوَّلِ تَرْجَمَةِ كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ الْيُونَانِيَّةِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ كَمَا يَدُلُّ قَصَصُهُمْ وَحِكَايَةُ أَحْوَالِهِمْ. وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ فِي أَصْلِهِ، وَالذَّمُّ إنَّمَا يَتَطَرَّقُ مِنْ عَوَارِضِهِ فَالْمُثْبِتُونَ نَظَرُوا إلَى ذَاتِهِ وَإِعَانَتِهِ لِلْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ حَتَّى جَعَلُوهُ مَبَادِئَ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْكَلَامِ، وَالْأُصُولِ، وَالنَّافُونَ نَظَرُوا إلَى عَوَارِضِهِ مِنْ نَحْوِ التَّعَصُّبِ وَإِلْزَامِ الْمُوَحَّدِ أَوْ كَثْرَةِ تَوَغُّلٍ تُوجِبُ هَجْرَ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا