(فِي زَمَانِ كَذَا سَيَقَعُ كَذَا) مِنْ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ وَقَحْطٍ وَغَلَاءٍ وَوَبَاءٍ وَمَوْتِ كِبَارٍ وَحَرْبٍ وَأَمْنٍ وَكَثْرَةِ أَمْطَارٍ لَكِنْ تَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِ الْعَقَائِدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَلَامَةِ، وَالتَّجْرِبَةِ فَلَيْسَ بِحَظْرٍ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَالَةِ الْقَمَرِ: يَكُونُ مَطَرٌ مُدَّعِيًا عِلْمَ الْغَيْبِ لَا بِعَلَامَةٍ كُفْرٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ أَمْرٌ تَفَرَّدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلْعِبَادِ إلَّا بِإِعْلَامٍ مِنْهُ وَإِلْهَامٍ بِطَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ أَوْ الْكَرَامَةِ وَإِرْشَادٍ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ فِيمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَمِنْ غَرِيبِ هَذَا الْبَابِ مَا فِي أُنْمُوذَجِ حَفِيدٍ السَّعْدِ السِّحْرُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وَالدِّيَةُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ كَذَلِكَ.
(وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ، وَالْمَوَاقِيتِ فَتَحْصُلُ بِالْعِلْمِ الْمُسَمَّى بِالْهَيْئَةِ) فَالْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ بِالْآلَاتِ الْمُتَدَاوَلَةِ كَالْإِسْطِرْلَابِ وَلَوْحِ رُبْعِ الْجَيْبِ وَذَاتِ الْكُرْسِيِّ وَنَحْوِهَا مِنْ الْهَيْئَةِ فِي الْأَصْلِ.
وَإِنْ أَفْرَدُوهَا بِالِاسْتِقْلَالِ فِي زَمَانِنَا كَنِسْبَةِ الْفَرَائِضِ إلَى الْفِقْهِ (فَلَمَّا كَانَا) أَيْ الْقِبْلَةُ، وَالْوَقْتُ (شَرْطَيْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَزِمَ مَعْرِفَتُهُمَا بِالتَّحَرِّي) هُوَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ وَأَصْلُهُ طَلَبُ الْأُخْرَى أَيْ الْأُولَى (وَالْأَمَارَاتِ) أَيْ الْعَلَامَاتِ (وَهَذَا الْعِلْمُ) أَيْ الْهَيْئَةُ لَا بِتَمَامِهِ بَلْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ (مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّحَرِّي، وَالْمَعْرِفَةِ) يَشْكُلُ أَنَّ هَذَا السَّبَبَ إنْ شَرْعِيًّا أَيْ مَعْلُومًا بِالشَّرْعِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، وَلَوْ سُلِّمَ لَزِمَ تَعَيُّنُ وُجُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَذْكُرُهُ الْآنَ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ كَمَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الشَّرْعِيَّيْنِ نَعَمْ قَدْ ذَكَرَ الْعَضُدُ فِي مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تُؤْخَذُ لَا مِنْ الشَّرْعِ كَالتَّمَاثُلِ، وَالتَّحَالُفِ وَإِنَّ الْحُسْنَ، وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ قَدْ ثَبَتَا عِنْدَنَا كَمَا عَرَفْت فِي مَحَلِّهِ (فَجَازَ الِاشْتِغَالُ بِهِ) وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ فَهَذَا بَيَانُ وَجْهِ مَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ لَا الِاسْتِدْلَالِ ابْتِدَاءً بِرَأْيِهِ فِي اسْتِخْرَاجِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجُوزُ تَحَرِّي الِاجْتِهَادِ لَا يَبْعُدُ اجْتِهَادُ الْمُصَنِّفِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ.
وَلِمَا وُجِّهَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْوَاجِبِ فَوَاجِبٌ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا أَنْ يَجِبَ) النُّجُومُ (فَلَا إذْ لَا انْحِصَارَ لِلْأَسْبَابِ فِيهِ) أَيْ فِي النُّجُومِ الْحَاصِلِ فِي ضِمْنِ الْهَيْئَةِ يَشْكُلُ أَنَّ مُطْلَقَ السَّبَبِ كَالْعَامِّ وَلَا وُجُودَ لِلْعَامِّ إلَّا فِي ضِمْنِ الْخَاصِّ فَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ وَاجِبًا فَفِي ضِمْنِ أَيْ أَفْرَادِهِ تَحَقُّقٌ كَانَ الْوَاجِبُ ذَلِكَ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَاَلَّذِي يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَلِّفْ تَحْصِيلَ هَذَا السَّبَبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ لِلْحَرَجِ، وَالْعُسْرِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ بَلْ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ التَّحَرِّي فَلَوْ أَتَى الْمُكَلَّفُ مِنْ عِنْدِهِ حُصُولُهُمَا أَيْ الْقِبْلَةِ، وَالْوَقْتِ لَا يَمْنَعُهُ الشَّرْعُ بَلْ يُجَوِّزُهُ لَكِنْ يُرَدُّ بِعَدَمِ ارْتِكَابِ السَّلَفِ وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ بِدْعَةً فِي الْعِبَادَةِ فَتَأَمَّلْ (وَ) إنَّهُ (لَا يَلْزَمُ الْيَقِينُ فِيهِمَا) فِي الْقِبْلَةِ، وَالْوَقْتِ حَتَّى يَجِبَ فَظَاهِرُهُ الِاعْتِرَافُ بِحُصُولِ الْقَطْعِ بِالنُّجُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَثَبَتَ ابْتِدَاءُ رَمَضَانَ وَاخْتِتَامُهُ بِالنُّجُومِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا فِي هَذَا وَمَا فِي ذَلِكَ تَحَكُّمٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْفَرْضِ، وَالتَّنْزِيلِ (بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ) فِي اسْتِحْصَالِ نَحْوِهِمَا لِلْحَرَجِ كَمَا يَدُلُّ قَوْلُهُ الْآتِي لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَدْفَعُ الْفَرْضِيَّةَ لَا الْوُجُوبَ.
وَالْمَسْأَلَةُ لَيْسَ فِيهَا فَضِيلَةٌ وَاسْتِحْبَابٌ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ بَلْ مَا فِيهَا هُوَ أَصْلُ الْجَوَازِ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْهَيْئَةَ (يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاءٍ) كِيَاسَةٍ (وَقُوَّةِ حَدْسٍ وَخَيَالٍ وَجَدٍّ كَثِيرٍ) فَفِيهِ حَرَجٌ (فَلَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ إذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَدْفَعُ الْوُجُوبَ عَيْنًا لَا الْمُطْلَقَ فَيَجُوزُ الْوُجُوبُ عَلَى طَرِيقِ الْكِفَايَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا فِي الْمَقْصِدِ وَبَيْنَ مَا فِي الْأَسْبَابِ، وَالشَّرَائِطِ وَأَنْ يَعْسُرَ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يُوجَدَ شَخْصٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُسْتَخْبَرُ مِنْهُ عَنْهُمَا (وَأَيْضًا تَحْتَاجُ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ بِالْهَيْئَةِ إلَى مَعْرِفَةِ عَرْضِ كُلِّ بَلَدٍ وَطُولِهِ)