وَيُذَمُّ كَالْحَيْضِ وَسَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَسَخِ وَالدَّرَنِ فَإِنَّ التَّطْهِيرَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَجْسَامِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَبِالْجُمْلَةِ عَنْ جَمِيعِ مَا لَا يَسْتَحْسِنُهُ الطَّبْعُ.
(وَالْآلَامُ) جَمْعُ أَلَمٍ وَهُوَ الْمَرَضُ وَالْوَجَعُ أَوْ عَمَّا يُوجِبُ الْآلَامَ مِنْ نَحْوِ ذَهَابِ حُسْنِهِنَّ وَتَغْيِيرِ جَمَالِهِنَّ بَلْ كُلَّمَا ازْدَادَ الْأَحْقَابُ يَزْدَادُ الْحُسْنُ وَالْجَمَالُ وَقِيلَ مُطَهَّرَاتٌ مِنْ نَحْوِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْبُزَاقِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ وَقِيلَ عَنْ بُغْضِ ضَرَائِرِهِنَّ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ} [الرحمن: 58] الْأَظْهَرُ الْيَوَاقِيتُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَاقُوتًا فَالْمَقَامُ مَحِلُّ انْقِسَامِ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ فَيُنَاسِبُ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ إلَّا أَنَّهُ اقْتَبَسَ مِنْ قَوْله تَعَالَى لَعَلَّ أَنَّهُ أُرِيدَ مِنْ اللَّامِ الِاسْتِغْرَاقُ قِيلَ الْيَاقُوتُ أَرْبَعَةٌ أَحْمَرُ وَأَصْفَرُ وأسمانجوني وَأَبْيَضُ ثُمَّ لِلْأَقْسَامِ أَنْوَاعٌ لَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَبْيَضُ.
( {وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58] قِيلَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ وَقِيلَ عَنْ الْخَازِنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى - {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58]- فِيهِ تَشْبِيهُ لَوْنِهِنَّ بِبَيَاضِ اللُّؤْلُؤِ يَعْنِي الْمَرْجَانَ مَعَ حُمْرَةِ الْيَاقُوتِ لِأَنَّ أَحْسَنَ الْأَلْوَانِ الْبَيَاضُ الْمَشُوبُ بِالْحُمْرَةِ وَمِنْهُ عُلِمَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ وَالْأَصَحُّ وَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الصَّفَاءُ بِحَيْثُ يُرَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِنْ ظَاهِرِهِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ أَرَادَ صَفَاءَ الْيَاقُوتِ فِي بَيَاضِ صَفَاءِ الْمَرْجَانِ ثُمَّ فِي إتْقَانِ السُّيُوطِيّ الْمَرْجَانُ لَفْظٌ عَجَمِيٌّ وَالْيَاقُوتُ فَارِسِيٌّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} [الرحمن: 56] الطَّمْثُ النِّكَاحُ أَوْ الْوَطْءُ أَوْ الْمَسُّ أَقُولُ فَلِلْكُلِّ وَجْهٌ.
{إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] يَعْنِي لَمْ يَمَسّهُنَّ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ فَرْدٌ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَالتَّقْيِيدُ بِالْجِنِّ إمَّا لِأَنَّ الْجِنَّ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَنِعَمِهَا كَالْحُورِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ مُسْتَدِلًّا بِنَحْوِ هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ فِي أَنَّهَا صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ فِي النِّسَاءِ تَتَسَارَعُ بِهَا النُّفُوسُ ثُمَّ هَذِهِ بَعْضُ صِفَاتِ الْحُورِ
وَأَمَّا نِسَاءُ الدُّنْيَا فَأَعْلَى مِنْهُنَّ مَرَاتِبَ فِي الْأَحَادِيثِ فَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} [الرحمن: 56] عَلَى قَوْلِهِ {كَأَنَّهُنَّ} [الرحمن: 58] لَوَافَقَ تَرْتِيبَ الْقُرْآنِ وَإِنَّ عَدَمَ الطَّمْثِ أَنْسَبُ وَأَقْرَبُ لِلتَّطْهِيرِ إذْ طَمْثُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مِنْ مُسْتَقْدَرَاتِ الطَّبْعِ وَمُؤْلِمِهِ وَمَا قِيلَ لِأَنَّ شَرْطَ الِاقْتِبَاسِ عَدَمُ إرَادَةِ الْقُرْآنِ فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الِاقْتِبَاسَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّغْيِيرِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّغْيِيرِ لَا يَضُرُّ الِاقْتِبَاسَ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ لَزِمَ قَصْدِيَّةُ قُرْآنِيَّتِهِ وَيَفُوتُ قَصْدُ الِاقْتِبَاسِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَأَيْضًا قِيلَ هُمَا سَجْعَانِ فَلَوْ رُتِّبَ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لَكَانَ السَّجْعُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَحْسُنُ إطَالَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي أَقُولُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُسْنِ مَا يَكُونُ أَكْثَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1] .
إلَى قَوْلِهِ {فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل: 2] عَلَى أَنَّ رِعَايَةَ الْبَدِيعِيَّةِ إنَّمَا تَتَأَتَّى بَعْدَ رِعَايَةِ أَسْرَارِ أَصْلِ الْفَصَاحَةِ وَقَدْ عَرَفْت الْأَقْرَبِيَّةَ وَالْأَنْسَبِيَّةَ لَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْمُصَنِّف نَظَرَ الْيَاقُوتِيَّةَ وَالْمَرْجَانِيَّةَ مِنْ الْمَحَاسِنِ الذَّاتِيَّةِ وَعَدَمَ الطَّمْثِ مِنْ الْعَرَضِيَّةِ وَأَنَّ تَوَهُّمَ الطَّمْثِ إنَّمَا يَتَبَادَرُ بَعْدَ الْكَمَالِ فِي الْحُسْنِ وَمِنْ الْكَمَالِ مَا قُدِّمَ وَلَوْ جُعِلَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّشْبِيهِ عَدَمُ قَبُولِ الْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ شَيْئًا مِنْ نَوْعِ الْوَسَخِ وَمَا يَنْفِرُ الطَّبْعُ فَلَهُ وَجْهٌ. اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ اللَّذَّةُ الْجِسْمِيَّةُ كَالْمُقَدَّمَةِ لِلَّذَّةِ الرُّوحِيَّةِ قُدِّمَ الْجِسْمِيَّةُ مَعَ شَرَفِ الرُّوحِيَّةِ إذْ هِيَ الْمَقْصِدُ الْأَقْصَى وَلَمَّا كَانَ مُعْظَمُ الْجِسْمِيَّةِ الْمَسْكَنَ وَالْمَطْعَمَ وَالْمُشْرَبَ وَالنِّكَاحَ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَ
ثُمَّ قَالَ لِلَّذَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ {وُجُوهٌ} [القيامة: 22] الظَّاهِرُ مِمَّا سَبَقَ وُجُوهُ الْمُتَّقِينَ جَمْعُ وَجْهٍ إنَّمَا خَصَّ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحُسْنِ وَالسُّرُورِ يَظْهَرُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ النَّاظِرَةَ فِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْوُجُوهِ هُوَ الذَّاتُ أَوْ الْمُرَادُ أَصْحَابُ وُجُوهٍ {يَوْمَئِذٍ} [القيامة: 22] فِي الْجَنَّةِ أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] خَبَرُ وُجُوهٍ إمَّا لِتَخْصِيصِهِ بِالظَّرْفِ أَوْ بِوَصْفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وُجُوهٍ عَظِيمَةٍ وَمَعْنَى نَاضِرَةٍ حَسَنَةٌ مَسْرُورَةٌ مُشْرِقَةٌ مُسْفِرَةٌ مُضِيئَةٌ وَقِيلَ بِيضٌ يَعْلُوهَا نُورٌ {إِلَى رَبِّهَا} [القيامة: 23] أَيْ رَبُّ تِلْكَ الْوُجُوهِ.
{نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ قُدِّمَ مُتَعَلِّقُهُ أَعْنِي إلَى رَبِّهَا لِلِاخْتِصَاصِ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْظُرُوا غَيْرَهُ تَعَالَى كَسَائِرِ نِعَمِ الْجَنَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ