وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنْ كَمْ مِنْ عَقَبَةٍ كَئُودٍ تَسْتَقْبِلُهُ، أَوَّلُ تِلْكَ الْعَقَبَةِ عَقَبَةُ الْإِسْلَامِ هَلْ يَسْلَمُ لَهُ فِي آخِرِ الْأَوَانِ مِنْ مَكْرِ الشَّيْطَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فِي الْجَنَّةِ لَكِنَّ دَوَامَ الْإِيمَانِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ عَلَى خَطَرٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَقِيلَ هَذَا بَيَانٌ لِلْمُتَّقِينَ.
أَقُولُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى فَقَطْ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَوْ مُحْتَاجٍ إلَى تَكَلُّفٍ (عِزَّتُهَا بَاقِيَةٌ) خِلَافُ عِزَّةِ الدُّنْيَا (أَبَدِيَّةٌ) لَا تَنْقَطِعُ بَلْ تَدُومُ عَلَى الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ (وَنِعَمُهَا) كَقُصُورِ الْجِنَانِ وَالْحُورِ مِنْ الْغِلْمَانِ وَالْوِلْدَانِ مَعَ سَائِرِ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مِصْدَاقَ - {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20]- (صَافِيَةٌ) مِنْ الْكُدُورَاتِ كَمَا فِي الدُّنْيَا (سَرْمَدِيَّةٌ) لَا نِهَايَةَ لَهَا قَالَ تَعَالَى {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17] وَمُحْكِمَاتُ النُّصُوصِ الدَّالَّةُ عَلَى الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ لِلْجَنَّةِ وَنِعَمِهَا قَرِيبَةٌ إلَى أَنْ لَا تَتَنَاهَى (وَشَرَابُهَا) أَيْ خَمْرُهَا وَيُمْكِنُ إرَادَةُ مُطْلَقِ الْمَشْرُوبَاتِ كَالْكَوْثَرِ وَالرَّحِيقِ.
(خَالِيَةٌ عَنْ إثْمٍ) أَيْ جَرِمَةٍ وَمَعْصِيَةٍ أَوْ عَنْ كَدَرٍ كَالصُّدَاعِ وَالسُّكْرِ وَضَرَرِ الْعَقْلِ وَوَجَعِ الْبَطْنِ وَعُرُوضِ الْجَفَاءِ كَالْبَوْلِ وَالْقَيْءِ فَإِنَّهَا شَرَابٌ طَهُورٌ يَعْنِي طَاهِرٌ عَنْ الْأَقْذَارِ لَمْ تَمَسَّهَا الْأَيْدِي وَلَمْ تَدُسَّهَا الْأَرْجُلُ كَشَرَابِ الدُّنْيَا لَا يَسْتَحِيلُ بَوْلًا وَلَكِنْ رَشْحًا فِي أَبْدَانِهِمْ كَالْمِسْكِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ أَكْلِهِمْ الطَّعَامَ يُؤْتَوْنَ بِالشَّرَابِ فَتَطْهُرَ بُطُونُهُمْ وَيَرْشَحَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ جُلُودِهِمْ كَالْمِسْكِ وَقِيلَ الشَّرَابُ الطَّهُورُ عَيْنٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ تَنْزِعُ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ غِلٍّ وَغِشٍّ (وَ) كَذَا عَنْ (لَاغِيَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةٌ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ وَلَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَغْوٌ حَتَّى يُسْمَعَ فَلَا تُشْرَبُ عَلَى اللَّغْوِ وَالْكَلَامِ الْفَاحِشِ وَالْغِنَاءِ الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا تُشْرَبُ عَلَى الْأَلْحَانِ بِاللَّطَائِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْكَلَامِ الْحَقِّ (فِيهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (حُورٌ) يُقَالُ أَحْوَرُ حَوْرَاءُ حُورٌ كَأَحْمَرَ حَمْرَاءُ حُمْرٌ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْعَظِيمَةُ الْعَيْنِ الْخَالِصَةُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَبِذَلِكَ يَكْمُلُ الْجَمَالُ وَالْبَهَاءُ، وَقِيلَ هِيَ النَّقِيَّةُ الْبَيَاضُ مِنْ النِّسَاءِ وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ الْحُورُ الْبِيضُ الْوُجُوهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَائِدَةُ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ التَّغَذِّي وَدَفْعُ ضَرَرِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَفَائِدَةُ الزَّوْجَةِ التَّوَلُّدُ وَحِفْظُ النَّوْعِ وَهَذِهِ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْجَنَّةِ قُلْت فَائِدَتُهَا هُنَالِكَ الِاسْتِلْذَاذَاتُ الْحِسِّيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِيهَا طَبِيعَةُ نَوْعِ الْإِنْسَانِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْجَوَابِ نِعَمُ الْجَنَّةُ لَا تُشَارِكُ نِعَمَ الدُّنْيَا فِي تَمَامِ حَقِيقَتِهَا حَتَّى تَسْتَلْزِمَ جَمِيعَ مَا يَلْزَمُهَا وَتُفِيدَ عَيْنَ فَائِدَتِهَا (مَقْصُورَاتٌ) مُخَدَّرَاتٌ وَمَسْتُورَاتٌ لَا يَخْرُجْنَ لِشَرَفِهِنَّ وَلَا يَنْظُرْنَ إلَى الْغَيْرِ قِيلَ أَيْ مَحْبُوسَاتٌ لِئَلَّا تَتَطَرَّقَ شَائِبَةُ الِاتِّهَامِ وَقِيلَ مَقْصُورَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ لَا تَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمْ وَلَوْ بَدَلًا كَمَا فِي الدُّنْيَا.
وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَقَتْ إلَى الْأَرْضِ لَمَلَأَتْ الْأَرْضَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلَأَذْهَبَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ» .
(فِي الْخِيَامِ) جَمْعُ خَيْمَةٍ فِي الْقَامُوسِ الْخَيْمَةُ كُلُّ بَيْتٍ مُسْتَدِيرٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَعْوَادٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ يُلْقَى عَلَيْهَا الثُّمَامُ وَيُسْتَظَلُّ بِهَا فِي الْحَرِّ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ أَيْضًا.
«إنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سَبْعُونَ مِيلًا» قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ اللُّؤْلُؤِ التَّشْبِيهُ فِي الصَّفَاءِ وَرُدَّ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي نَفْسِهَا لَعَلَّ الْأَوَّلَ بُنِيَ عَلَى الْعَادِي وَالثَّانِي عَلَى الْإِمْكَانِ النَّفْسِيِّ الْأَمْرِيِّ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ عَادَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ فِي الْأُخْرَى خِلَافَ الْأُولَى.
وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ قِيلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ عَنْ أَنَسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُسْرِيَ بِي دَخَلْت فِي الْجَنَّةِ مَوْضِعًا يُسَمَّى الْبِدْحَ عَلَيْهِ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ فَقُلْنَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْت يَا جَبْرَائِيلُ مَا هَذَا النِّدَاءُ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمَقْصُورَاتُ فِي الْخِيَامِ اسْتَأْذَنَّ رَبَّهُنَّ فِي السَّلَامِ عَلَيْك فَأَذِنَ لَهُنَّ فَطَفِقْنَ يَقُلْنَ نَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا» .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةِ حَوْرَاءَ وَأَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ ثَيِّبٍ يُعَانِقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ عُمُرِهِ فِي الدُّنْيَا» (نَاعِمَاتٌ) لَيِّنَاتٌ (مُطَهَّرَاتٌ) نَظِيفَاتٌ تَقِيَّاتٌ (عَنْ الْأَقْذَارِ) عَمَّا يُسْتَقْذَرُ