(وَالْحَسَنُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مُتَعَلِّقَ الْمَدْحِ فِي الْعَاجِلِ وَالثَّوَابِ فِي الْآجِلِ وَالْأَحْسَنُ هُوَ مَا لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ لِيَشْمَلَ الْمُبَاحَ (بِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ إرَادَتِهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ (وَمَحَبَّتِهِ وَالْقَبِيحُ مِنْهَا) وَهُوَ مَا يَكُونُ مُتَعَلِّقَ الذَّمِّ فِي الْعَاجِلِ وَالْعِقَابِ فِي الْآجِلِ (لَيْسَ بِهِمَا) أَيْ بِالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ بَلْ بِغَضَبِهِ وَكَرَاهَتِهِ وَخِذْلَانِهِ لِاعْتِرَاضِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]- وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَالتَّقْدِيرَ تَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ وَالْأَمْرَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْحَسَنِ دُونَ الْقَبِيحِ (وَالثَّوَابُ) مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ مِنْ اللَّهِ وَالشَّفَاعَةُ مِنْ الرَّسُولِ وَقِيلَ: هُوَ إعْطَاءُ مَا يُلَائِمُ الطَّبْعَ وَيُفَسَّرُ بِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا (فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ كَرَمٌ وَإِحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ لَا بِاسْتِحْقَاقٍ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّهَا كَيْفَ تُسْتَحَقُّ وَعِبَادَتُهَا إنَّمَا هِيَ بِخَلْقِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَفِي بِشُكْرِ أَقَلِّ قَلِيلٍ مِنْ نِعَمِهِ فَكَيْفَ تُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمِثْلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]- وَقَوْلِهِ - {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} [الكهف: 110]- وَقَوْلِهِ - {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]- أُجِيبُ عَنْهُ أَنَّ الْبَاءَ فِي الْآيَاتِ لَيْسَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَلْ لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَيَجُوزُ التَّخَلُّفُ إذْ الْمُعْطَى بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطَى لَا بِعِوَضٍ خِلَافَ السَّبَبِيَّةِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ مِيرَاثُ الْأَعْمَالِ ظَاهِرًا وَإِنْ تَفَضُّلًا حَقِيقَةً وَقِيلَ: نَفْسُ الدُّخُولِ تَفَضُّلِيٌّ وَنَقْلُ الْمَرَاتِبِ بِالْأَعْمَالِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ نَحْوَ الْحَدِيثِ نَفْيُ الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَإِثْبَاتُ الْآيَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْوَعْدِ وَالْعَادَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَالْعِقَابُ) لِلْعُصَاةِ (عَدْلٌ) أَيْ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَجَوْرٍ (مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ) مِنْ الْغَيْرِ عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (وَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ) تَعَالَى لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِمُصَنِّفِهِ تَخْلِيدُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّارِ وَتَخْلِيدُ الْكَافِرِينَ فِي الْجَنَّةِ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَالْإِسَاءَةُ فِي حَقِّ الْمُحْسِنِينَ وَالْإِنْعَامُ وَالْإِكْرَامُ فِي الْمُسِيءِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَكَانَ ظُلْمًا وَذَا يَسْتَحِيلُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ إنَّمَا جَازَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى غَيْرِ قَضِيَّةِ الْحِكْمَةِ يَكُونُ سَفَهًا وَأَيْضًا عَدَّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي انْفَرَدَتْ الْمَاتُرِيدِيَّةُ عَنْ الْأَشَاعِرَةِ بِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْذِيبُ الْمُطِيعِ وَتَنْعِيمُ الْكَافِرِ عَقْلًا لِكَوْنِهِمَا خِلَافَ الْحِكْمَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ جَعَلَ الْحِكْمَةَ مِنْ طَرَفِهِ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ امْتِنَاعٌ بِالْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ هَذَا الْوُجُوبِ وُجُوبًا ذَاتِيًّا الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَالْحَمْلُ عَلَى الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ بِجَائِزٍ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ نَفْيِ الْوُجُوبِ هُوَ مُطْلَقُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الدَّوَانِيُّ (وَلَا اسْتِحْقَاقَ مِنْ الْعَبْدِ) وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَهُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَيْضًا طَاعَةُ الْعَبْدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تَفِي بِبَعْضِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ عِوَضٍ