فِي ذَوَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ فَتَكُونُ الْوَاجِبَاتُ بِالْقَدَرِ دُونَ الْبَاقِي وَقَدْ يُرَادُ بِهِمَا التَّبْيِينُ وَالْإِعْلَامُ.

وَنُقِلَ عَنْ النِّهَايَةِ الْجَزْرِيَّةِ الْقَدَرُ مَا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَمَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ وَالْقَضَاءُ الْخَلْقُ فَالْقَدَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ وَالْقَضَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَعَنْ أَوَّلِ الْأَصْفَهَانِيِّ الْقَضَاءُ وُجُودُ الْمُمْكِنَاتِ فِي اللَّوْحِ مُجْمَلَةً عَلَى سَبِيلِ الْإِبْدَاعِ وَالْقَدَرِ الْمُنَزَّلَةِ فِي الْأَعْيَانِ بَعْدَ حُصُولِ شَرَائِطِهَا مُفَصَّلَةً وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ قَضَاءٌ وَمِنْ تَحْدِيدِهِ وَتَعْيِينِهِ قَدَرٌ.

(وَلِلْعِبَادِ) أَيْ الْمُكَلَّفِينَ (اخْتِيَارَاتٌ) ضِدُّ الِاضْطِرَارِ وَالْجَبْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِيَارُ لِلْعِبَادِ مَوْجُودًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِلُزُومِ الْجَبْرِ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ الْمُثْبَتِ هُنَا الْوُجُودُ النَّفْسِيُّ الْأَمْرِيُّ وَمِنْ الْمَنْفِيِّ هُوَ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى إثْبَاتِ الْحَالِ أَيْ اللَّا مَوْجُودٍ وَاللَّا مَعْدُومٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُثْبَتُ أَصْلُ الِاخْتِيَارِ الْجُزْئِيِّ وَمَبْدَأُ الْمَوْجُودِ فِي الْمُكَلَّفِ وَالْمَنْفِيُّ هُوَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارُ الْجُزْئِيُّ (لِأَفْعَالِهِمْ) يَعْنِي بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ وَهُوَ الْغَيْرُ الِاضْطِرَارِيَّةُ وَالِاتِّفَاقِيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا ثَوَابٌ وَعِقَابٌ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ تَرْكُهُ فَاضْطِرَارِيٌّ وَإِنْ جَازَ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ عَلَيْهِ فَإِنْ بِمُرَجِّحٍ فَاخْتِيَارِيٌّ وَإِلَّا فَاتِّفَاقِيٌّ وَالِاضْطِرَارِيُّ وَالِاتِّفَاقِيُّ لَا يُوصَفَانِ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فَإِنْ قِيلَ: فَفِعْلُهُ الِاخْتِيَارِيُّ إنْ لَمْ يُقَارَنْ بِاخْتِيَارِهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ مِنْ خَلْقِ الْعَبْدِ فِعْلَهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارَانِ تَامَّيْنِ فَيَلْزَمُ التَّوَارُدُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ النَّقْصُ وَالْعَجْزُ وَالِافْتِقَارُ لَهُ تَعَالَى إلَى الْغَيْرِ قُلْنَا: إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَجْزُ وَالنَّقْصُ لَوْ لَمْ يُقَدَّرُ إيجَادُهُ عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِقْلَالِهِ وَإِذَا كَانَ مَعِيَّةُ إرَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ جَانِبِهِ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّوَارُدَ قِيلَ: جَائِزٌ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ لَعَلَّك بِمُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَاسْتِيقَانِهِ تَنْجُو مِنْ أَكْثَرِ الشُّبَهِ الْمُورَدَةِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى تَكْثِيرِ الْكَلَامِ فَافْهَمْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ أَقْدَامِ الْأَقْوَامِ وَسَيُفَصَّلُ فِي مَحَلِّهِ الْآخَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِنْعَامُ.

قَالَ الْمَوْلَى الْخَيَالِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ إمَّا قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْجَبْرِيَّةِ أَوْ بِلَا تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَوْ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِلَا إيجَابٍ وَلَا اضْطِرَارٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ بِالْإِيجَابِ وَامْتِنَاعِ التَّخَلُّفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَوْ مَجْمُوعُ الْقُدْرَتَيْنِ عَلَى أَنْ تُؤَثِّرَا فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَثِّرَ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فِي وَصْفِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ مَوْصُوفًا بِمِثْلِ كَوْنِهِ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا يُنْسَبُ إلَى قُدْرَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ جُزْءَ الْمُؤَثِّرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَوْ مَدَارًا مَحْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مِنْ الْمَذَاهِبِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْأَدِلَّةِ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الْمُكَلَّفِ فَلِذَلِكَ خَصُّوا الْعِبَادَ بِالذِّكْرِ (بِهَا يُثَابُونَ) إنْ كَانَتْ طَاعَةً عَلَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالُ أَسْبَابًا عَادِيَّةً لَا أَصْلِيَّةً إذْ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ إنَّمَا هُوَ بِجَعْلِهِ تَعَالَى وَإِحْسَانِهِ فَالْأَعْمَالُ لَا تُوجِبُ الْجَنَّةَ كَمَا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ (وَعَلَيْهَا يُعَاقَبُونَ) إنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015