عِبَارَةٌ عَنْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ.

قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ يُعْقَلُ مَنْ تَعَلُّقِ الْمُؤَثِّرِ وَلَيْسَ سِوَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ نِسْبَتُهَا إلَى وُجُودِ الْمُكَوِّنِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ لَكِنْ مَعَ انْضِمَامِ الْإِرَادَةِ يَتَخَصَّصُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ

أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَثَرُ التَّكْوِينِ هُوَ الْوُقُوعُ بِالْفِعْلِ بَعْدَ هَذَا التَّرْجِيحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَثَرَ الْقُدْرَةِ هُوَ كَالْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ وَأَثَرَ الْإِرَادَةِ كَالْإِمْكَانِ الِاسْتِعْدَادِي وَالتَّكْوِينُ كَالْإِمْكَانِ الْوُقُوعِيِّ أَوْ نَقُولُ: فَكَمَا كَانَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِلْمِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الِانْكِشَافُ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ بِسَبَبِ الْعِلْمِ لِوُرُودِ السَّمْعِ غَايَتُهُ عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِقُصُورِ الْأَدِلَّةِ فَلْيَكُنْ التَّكْوِينُ كَذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا

وَقَالَ الْمَوْلَى الْخَيَالِيُّ فِي إثْبَاتِ التَّكْوِينِ أَنَّ التَّكْوِينَ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي نَجِدُهُ فِي الْفَاعِلِ وَبِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَرْتَبِطُ بِالْمَفْعُولِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَعُمُّ الْمُوجِبَ أَيْضًا بَلْ نَقُولُ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاجِبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ صِفَةً أُخْرَى انْتَهَى فَإِذَا وُجِدَ التَّكْوِينُ عِنْدَ عَدَمِهَا فَلْيُوجَدْ فِي الْكُلِّ وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا مَذْهَبًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّرْزِيقِ وَالتَّصْوِيرِ وَالْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْأَفْعَالِ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ عُلَمَاءِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ

وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَكْثِيرٌ لِلْقُدَمَاءِ جِدًّا فَالْمَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ عَدَمُ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْهَا وَرُجُوعُ الْكُلِّ إلَى التَّكْوِينِ وَالْكَثْرَةِ فِي التَّعَلُّقَاتِ وَوُجُودُ الْكُلِّ صِفَةً.

(وَ) الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ (الْكَلَامُ) صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ عَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّظْمِ الْمُسَمَّى بِالْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ هِيَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِيِّ وَغَيْرُ الْعِلْمِ إذْ الْإِنْسَانُ قَدْ يُخْبِرُ عَمَّا مَا لَا يَعْلَمُ وَغَيْرُ الْإِرَادَةِ إذْ قَدْ يَأْمُرُ غَيْرَ مَا أَرَادَهُ كَمَا تَقُولُ: إنَّ لِنَفْسِي كَلَامًا.

قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي زَوَّرْت فِي نَفْسِي مَقَالَةً بِإِجْمَاعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَاتُرٌ إلَيْنَا وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ ضِدَّهُ فِي الْحَيِّ نَقْصٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَعْدَمَا اُتُّفِقَ عَلَى وُجُودِ صِفَةِ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا عَلَى أَرْبَعٍ فَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ قَدِيمٌ وَلَيْسَ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ بَلْ هُوَ الْمَعْنَى وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَدِيمٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ إلَى أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِقِدَمِ الْجِلْدِ وَالْغِلَافِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ وَحَادِثٌ لَكِنْ لَيْسَ بِقَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ بِالْغَيْرِ كَاللَّوْحِ وَفُؤَادِ جَبْرَائِيلَ وَالنَّبِيِّ وَشَجَرَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَعِنْدَ الْكَرَّامِيَّةِ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَحَادِثٌ لَكِنْ قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى فَعَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ وَالْمُعْتَزِلَةَ مُتَّحِدَانِ فِي حُدُوثِ اللَّفْظِيِّ وَمُفْتَرِقَانِ فِي إثْبَاتِ النَّفْسِيِّ وَعَدَمِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمَوَاقِفِ أَنَّ الْكَلَامَ اللَّفْظِيَّ قَدِيمٌ كَالنَّفْسِيِّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ فَالْكَلَامُ عِنْدَهُ أَمْرٌ شَامِلٌ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ تَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ كَلَامِيَّةَ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَعَدَمُ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّحَدِّي وَعَدَمُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَمَسِّ الْمُحْدِثِ

قَالَ شَارِحُ الْمَوَاقِفِ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى قَوَاعِدِ الْمِلَّةِ قِيلَ: حَاصِلُهُ هُوَ الْعِبَارَاتُ الْمَنْظُومَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ أَصْوَاتٌ غَيْرُ قَارَّةٍ وَسَيَّالَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْقِدَمُ وَالْقِيَامُ بِهِ تَعَالَى لَعَلَّ هَذَا قَرِيبٌ إلَى مَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ كَلَامَهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ أَمْرًا آخَرَ يُمَاثِلُهُ أَقُولُ: لَعَلَّ الْأَوْلَى فِي مِثْلِهِ تَفْوِيضُ الْوُقُوفِ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَبَقَ (الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ) اللَّفْظِيَّةِ وَالرَّقْمِيَّةِ (وَالْأَصْوَاتِ) وَهَذَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ عَلَى وَفْقِ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُقْرِي عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ الْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَيُرَادُ أَيْضًا الْمَقْرُوءُ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ حَادِثٌ لَعَلَّ هَذَا هُوَ الْقُرْآنُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّ لِتَعَلُّقِ غَرَضِهِمْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ إلَيْهِ وَمِثْلُهُ نُقِلَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015