وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَمْسَةِ ضِعْفٌ وَإِلَى الْعِشْرِينَ نِصْفٌ وَإِلَى ثَلَاثِينَ ثُلُثٌ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الدَّائِرَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَاحِدَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَثِيرَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ يَقْتَضِي كَوْنَ الصِّفَاتِ بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ وَالذَّاتِ أَيْضًا مُتَّحِدَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّغَايُرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَسَامِي وَهُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ (هِيَ) أَيْ الصِّفَاتُ الْكَامِلَةُ الْقَدِيمَةُ ثَمَانٍ (الْحَيَاةُ) صِفَةٌ تُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ وَإِجْمَاعِ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ وَلِأَنَّ الْخُلُوَّ عَنْهَا نَقْصٌ وَمَا يُقَالُ: إنَّهَا اعْتِدَالُ الْمِزَاجِ وَتَأْثِيرُ الْحَاسَّةِ فَمَمْنُوعٌ (وَالْعِلْمُ) صِفَةٌ تَنْكَشِفُ بِهَا الْمَعْلُومَاتُ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا مَوْجُودَةً أَوْ مَعْدُومَةً مُمْتَنِعَةً أَوْ مُمْكِنَةً قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً مُتَنَاهِيَةً أَوْ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ جُزْئِيَّةً أَوْ كُلِّيَّةً مَادِّيَّةً أَوْ مُجَرَّدَةً
قَالَ الْخَيَالِيُّ: فَإِنَّ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقَاتٍ قَدِيمَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ بِالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَزَلِيَّاتِ وَالْمُتَجَدِّدَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا سَتَتَجَدَّدُ وَتَعَلُّقَاتٌ حَادِثَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ بِالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَجَدِّدَاتِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا الْآنَ أَوْ قَبْلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُدُوثِ التَّعَلُّقِ حُدُوثُ الْعِلْمِ أَمَّا دَلِيلُ الْعِلْمِ فَإِمَّا سَمْعِيٌّ نَحْوُ {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] وَإِمَّا عَقْلِيٌّ لِاسْتِنَادِ الْعَالَمِ إلَيْهِ مَعَ إتْقَانِهِ وَإِحْكَامِهِ وَانْتِظَامِهِ وَمِنْ الْبَيِّنِ دَلَالَةُ الْأَفْعَالِ الْمُتْقَنَةِ عَلَى عِلْمِ فَاعِلِهَا وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي الْبَدَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ وَفِي نَفْسِهِ وَجَدَ دَقَائِقَ حِكَمٍ تَدُلُّ عَلَى حِكْمَةِ صَانِعِهَا وَعِلْمِهِ الْكَامِلِ
وَأُورِدَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ أَفْعَالٌ مُتْقَنَةٌ كَبُيُوتِ النَّحْلِ وَغَيْرِهَا وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ تَعَالَى إذْ لَا مُؤَثِّرَ غَيْرُهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ عَدَمَ عِلْمِ الْحَيَوَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى عِلْمِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} [النحل: 68] الْآيَةَ (وَالْقُدْرَةُ) صِفَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْمَقْدُورَاتِ بِجَعْلِهَا مُمْكِنَةَ الْوُجُودِ مِنْ الْفَاعِلِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهَا فَتَعَلُّقَاتُ الْقُدْرَةِ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ وَعِنْدَنَا فِي التَّكْوِينِ فَقَدِيمَةٌ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ
بِمَعْنَى أَنَّهَا تَعَلَّقَتْ فِي الْأَزَلِ بِوُجُودِ الْمَقْدُورِ فِيمَا لَا يُزَالُ وَحَادِثَةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ: الْقُدْرَةُ صِحَّةُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ بَلْ لَهَا تَعَلُّقٌ مَحْضٌ بِلَا تَأْثِيرٍ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ كَمَالٌ وَضِدَّهَا أَعْنِي الْعَجْزَ نَقْصٌ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ (وَالسَّمْعُ) صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْمُوعَاتِ (وَالْبَصَرُ) صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُبْصَرَاتِ فَيُدْرِكُ بِلَا طَرِيقِ تَخَيُّلٍ وَتَأْثِيرِ حَاسَّةٍ وَوُصُولِ هَوَاءٍ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ فِي كَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ وَالصَّرْفُ عَنْ الظَّوَاهِرِ بِلَا صَارِفٍ لَيْسَ بِجَائِزٍ فَلَا يَكُونَانِ رَاجِعَيْنِ إلَى الْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ كَمَا زَعَمَتْ الْفَلَاسِفَةُ وَالْكَعْبِيُّ وَحُسَيْنٌ الْبَصْرِيُّ
قِيلَ: وَالْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا فَتَكُونُ الْمَسْمُوعَاتُ وَالْمُبْصَرَاتُ كَمَا هُمَا مُتَعَلِّقُ عِلْمِهِ مُتَعَلِّقَ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِثْبَاتُهُمَا تَكْثِيرُ الْقُدَمَاءِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَالْأَصْلُ تَقْلِيلُهَا قُلْنَا: قَالَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِمَا آمَنَّا بِذَلِكَ وَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ بِالْآلَتَيْنِ الْمَعْرُوفَتَيْنِ وَاعْتَرَفْنَا بِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا لِقُصُورِنَا وَنُقْصَانِنَا (وَالْإِرَادَةُ) صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ بِالْوُقُوعِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ نِسْبَةُ الْقُدْرَةِ إلَى الضِّدَّيْنِ سَوَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْمَعْلُومِ فَتَعَيَّنَ صِفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْإِرَادَةُ وَشَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ مِنْهَا أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَلَوْ شُرُورًا وَمَعَاصِيَ كَالْكُفْرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْإِرَادَةُ كَالْقُدْرَةِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُمْكِنَاتِ لَكِنَّ الْقُدْرَةَ تَعُمُّ الْمَعْدُومَاتِ وَالْمَوْجُودَاتِ وَالْإِرَادَةُ تُخَصُّ بِالْمَوْجُودَاتِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَمُتَعَلِّقٌ شَامِلٌ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْتَنِعَاتِ كَالْمُمْكِنَاتِ (وَالتَّكْوِينُ) صِفَةٌ قَدِيمَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى السَّبْعِ الْمَشْهُورَةِ وَيُفَسَّرُ بِإِخْرَاجِ الْمَعْدُومِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفِعْلِ وَالْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَنَحْوِهَا هَذَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ إطْبَاقَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقٌ وَمُكَوِّنٌ وَإِطْلَاقَ الْمُشْتَقِّ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ مُمْتَنِعٌ فَالْمَأْخَذُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَهِيَ غَيْرُ الْقُدْرَةِ لِأَنَّ أَثَرَ الْقُدْرَةِ صِحَّةُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَالصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ التَّكْوِينُ صِفَةٌ حَادِثَةٌ