التَّعْرِيفَاتِ فَإِنْ قِيلَ: فَالزَّمَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ الْأَزَلِيِّ وَالْأَبَدِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِزَمَانِيٍّ قُلْنَا: كَمَا يُقَالُ عَلَى الزَّمَانِيِّ يُقَالُ عَلَى غَيْرِ الزَّمَانِيِّ لِأَنَّهُ قِيلَ: الْأَزَلِيُّ يَكُونُ لَهُ نِهَايَةٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ بِدَايَةٌ وَالْأَبَدِيُّ عَكْسُهُ وَقِيلَ: عَنْ زُبْدَةِ الْحَقَائِقِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ شَيْءٌ مَاضٍ فَقَدْ أَخْطَأَ فَاحِشًا فَإِنَّهُ لَا مَاضِيَ وَلَا مُسْتَقْبَلَ فِيهَا بَلْ هِيَ مُحِيطَةٌ بِالزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي وَقِيلَ: هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَزَلِيِّ وَالْقَدِيمِ أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ لِلْعَدَمِ.
وَالثَّانِيَ مُخْتَصٌّ بِالْوُجُودِ فَلَعَلَّ كَوْنَهُ قَدِيمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْكَامِلَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ وَكَوْنَهُ أَزَلِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى صِفَاتِهِ الْإِضَافِيَّةِ وَالنِّسْبِيَّةِ فَمَنْ قَالَ إنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى نَفْسِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَغَيْرُهُمَا قَدِيمَةٌ لَمْ يَفْهَمْ الْفَرْقَ أَوْ لَمْ يَرْضَ أَوْ تَجَوَّزَ (أَبَدِيٌّ) عَرَفْت آنِفًا مَعْنَاهُ.
(لَهُ صِفَاتٌ) جَمْعُ صِفَةٍ أَصْلُهَا وَصْفٌ فَحُذِفَتْ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا التَّاءُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ مَبَادِئُ الْمُشْتَقَّاتِ لَا أَنْفُسُهَا كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَا الْعَالِمِ وَالْقَادِرِ وَأَنْكَرَهَا الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَائِلِينَ بِأَنَّهَا عَيْنُ ذَاتِهِ تَعَالَى تَحَاشِيًا عَنْ تَكْثِيرِ الْقُدَمَاءِ وَالْوَاجِبَاتِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمُحَالَ تَكَثُّرُ الْقُدَمَاءِ بِالذَّاتِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ (قَدِيمَةٌ) لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى خِلَافًا لِلْكَرَامِيَّةِ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ بِصِفَاتِهِ وَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِالْقُدَمَاءِ لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهَا قَائِمٌ بِذَاتِهِ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ (قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ) كَالتَّوْضِيحِ وَالتَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ أَوْ لِرَدِّ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ كَالْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ وَالْكَلَامُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ تَعَالَى كَاللَّوْحِ وَشَجَرَةِ مُوسَى وَفُؤَادِ جَبْرَائِيلَ وَلَهُ إرَادَةٌ حَادِثَةٌ لَا فِي مَحَلٍّ
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَلَمَّا تَمَسَّكَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ إبْطَالَ التَّوْحِيدِ لِمَا أَنَّهَا مَوْجُودَاتٌ قَدِيمَةٌ مُغَايِرَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ قِدَمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ إلَى آخِرِهِ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ (لَا) تِلْكَ الصِّفَةِ (هُوَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْنِي لَيْسَتْ عَيْنَ ذَاتِهِ (وَلَا غَيْرُهُ) غَيْرُ ذَاتِهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ قِدَمُ الْغَيْرِ وَلَا تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ أَمَّا نَفْيُ الْعَيْنِيَّةِ فَلِأَنَّ الصِّفَاتِ مِنْ قَبِيلِ الْعَرَضِ وَالذَّاتَ مِنْ قَبِيلِ الْجَوْهَرِ يَعْنِي شَبِيهَةً فِي الْقِيَامِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمِهِ فَعَدَمُ الْعَيْنِيَّةِ بَدِيهِيَّةٌ وَأَنَّ الصِّفَاتِ مُحْتَاجَةٌ إلَى الذَّاتِ فَمُمْكِنَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَالذَّاتُ وَاجِبَةٌ مُسْتَغْنِيَةٌ وَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ عَيْنَ الْمُمْكِنِ.
وَقِيلَ: وَرَدَتْ النُّصُوصُ بِالِاشْتِقَاقِ نَحْوَ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَكَوْنُ الشَّيْءِ عَالِمًا مُعَلَّلٌ بِقِيَامِ الْعِلْمِ فِي الشَّاهِدِ فَكَذَا فِي الْغَائِبِ وَأُورِدَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِقْهِيٌّ وَقِيَاسُ غَائِبٍ عَلَى شَاهِدٍ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الشَّاهِدِ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَتُعْدَمُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّرِيفِ الْعَلَّامَةِ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ أَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ وَالْحَدِّ وَالشَّرْطِ فِي الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلَّةَ كَوْنِ الشَّيْءِ عَالِمًا فِي الشَّاهِدِ هُوَ الْعِلْمُ فَكَذَا فِي الْغَائِبِ وَأَيْضًا حَدُّ الْعَالِمِ هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ سَوَاءٌ فِي الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ وَشَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ عَلَى شَيْءٍ ثُبُوتُ أَصْلِهِ فِي الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ وَأَمَّا نَفْيُ الْغَيْرِيَّةِ فَبِأَنَّ الْعُرْفَ وَاللُّغَةَ وَالشَّرْعَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ لَيْسَا بِغِيَرَيْنِ كَالْكُلِّ وَالْجُزْءِ
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَجَمْعٌ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْحَقِيقَةِ قُلْنَا: أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْغَيْرَ مَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ فِي التَّصَوُّرِ، وَالْعَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي الْمَفْهُومِ بِلَا تَفَاوُتٍ فَيُمْكِنُ الْوَاسِطَةُ بِأَنْ لَا يَتَّحِدَا فِي الْمَفْهُومِ وَلَا يُوجَدَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ فَالصِّفَةُ مَعَ الذَّاتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَيُمْكِنُ أَنَّ نَفْيَ الْعَيْنِيَّةِ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَنَفْيَ الْغَيْرِيَّةِ بِحَسَبِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ فَلَا تَنَاقُضَ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ
وَإِيرَادُ الدَّوَانِيّ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَالْكَلَامُ فِي مَبَادِئَهَا وَلَا يَصِحُّ فِيهَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ الْعِلْمُ مَثَلًا لَيْسَ عَيْنَ ذَاتِهِ تَعَالَى مَفْهُومًا وَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: إنَّهَا عَيْنُ الذَّاتِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا مِنْ جَانِبِ الذَّاتِ وَغَيْرُ الذَّاتِ إذَا نُظِرَ مِنْ جَانِبِ انْقِسَامِ الْوُجُودِ إلَى الْأَقْسَامِ وَوَضَحَ بِمِثَالٍ أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي نَفْسِهَا وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ