مُعَلَّلٌ بِالْحِكَمِ دُونَ بَعْضٍ أُورِدَ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ فَمُنْتَفٍ فِي الْكُلِّ وَإِنْ أُرِيدَ تَرْتِيبُ الْحِكْمَةِ عَلَى أَفْعَالِهِ فَالْكُلُّ كَذَا غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهَا لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى الرَّاسِخِينَ الْمُؤَيَّدِينَ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ مُرَادَ هَذَا الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ إلَى عِلْمِنَا فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْجَمِيعِ مُعَلَّلًا بِالْحِكَمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (وَفَائِدَةٍ) أَيْ عَاقِبَةٍ حَمِيدَةٍ تَرْجِعُ إلَى عِبَادِهِ وَأَمَّا نَحْوُ الْكُفْرِ وَسَائِرِ الشُّرُورِ وَالْقَبَائِحِ فَخَلْقُهُ تَعَالَى لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ آنِفًا (فَعَّالٌ) صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ (لِمَا يَشَاءُ) فَمُرَادُهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ إرَادَتِهِ لِلُزُومِ الْعَجْزِ (بِلَا إيجَابٍ) لِسَبْقِهِ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ كَأَنَّ فِيهِ رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ وَاجِبَةٌ فَاَللَّهُ يُرِيدُ وُقُوعَهَا وَيَكْرَهُ تَرْكَهَا وَإِنْ حَرَامًا يُرِيدُ تَرْكَهَا وَيَكْرَهُ وُقُوعَهَا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْعَضُدِيَّةِ

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُبَالَغَةَ أَنْ يَثْبُتَ لِلشَّيْءِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي نَفْسِهِ وَصِفَتُهُ تَعَالَى مُتَنَاهِيَةٌ فِي الْكَمَالِ فَلَا تُمْكِنُ الْمُبَالَغَةُ وَأَيْضًا إنَّمَا تُتَصَوَّرُ الْمُبَالَغَةُ فِي صِفَةٍ تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى قُلْت: أَجَابَ عَنْهُ فِي الْإِتْقَانِ عَنْ الْبُرْهَانِ الرَّشِيدِيِّ كُلُّ الْمُبَالَغَةِ فِي صِفَتِهِ تَعَالَى مَجَازٌ فَاسْتَحْسَنَهُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ.

وَعَنْ الزَّرْكَشِيّ التَّحْقِيقُ أَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مَا تَحْصُلُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْفِعْلِ وَالثَّانِي بِحَسَبِ تَعْدَادِ الْمَفْعُولَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعَدُّدَهَا لَا يُوجِبُ لِلْفِعْلِ زِيَادَةً إذْ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَنْزِلُ صِفَاتُهُ تَعَالَى وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي حُكْمِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ تَكْرَارُ حِكْمَةِ التَّنْبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرَائِعِ.

(مُنَزَّهٌ) مُبْعَدٌ وَمُبَرَّأٌ (عَنْ صِفَاتِ النُّقْصَانِ) الَّتِي تُوجِبُ انْحِطَاطًا فِي مَرَاتِبِ الْأُلُوهِيَّةِ كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالِافْتِقَارِ وَنَحْوِهَا نَقَلَ الدَّوَانِيُّ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ كَوْنَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا (كُلِّهَا) لِأَنَّ لَهُ الْكَمَالَ الْمُطْلَقَ وَمُسْتَغْنٍ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ افْتِقَارِ الْكُلِّ إلَيْهِ (مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ) فَكُلُّ مَا اتَّصَفَ بِهِ فَكَمَالٌ بَلْ كُلُّ كَمَالٍ صِفَةٌ لَهُ (كُلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ كَمَالٌ مُتَوَقَّعٌ) أَيْ مُنْتَظَرٌ لِلُزُومِ النَّقْصِ فِي الْأَزَلِ وَلِلُزُومِ كَوْنِهِ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ فِيمَا لَا يُزَالُ (قَدِيمٌ) أَيْ لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الثَّانِي إذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ لَكَانَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ ضَرُورَةً ثُمَّ قَالَ: الْقِدَمُ الزَّمَانِيُّ عَدَمُ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ فَالْقِدَمُ هُنَا هُوَ الْقِدَمُ الزَّمَانِيُّ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَعْنَى الْقِدَمِ الزَّمَانِيِّ فَمَا قِيلَ هُنَا الْمُرَادُ مِنْ الْقِدَمِ سَلْبُ الْعَدَمِ السَّابِقِ عَلَى الْوُجُودِ وَهُوَ لَيْسَ بِقِدَمٍ زَمَانِيٍّ وَالْقِدَمُ الزَّمَانِيُّ مُرُورُ الْأَزْمِنَةِ عَلَى الشَّيْءِ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ بِوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ مُقَابِلَ الْقِدَمِ الزَّمَانِيِّ هُوَ الْقِدَمُ الذَّاتِيُّ الْمُفَسَّرُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْفَلَاسِفَةِ.

قَالَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ انْقِسَامِ كُلٍّ مِنْ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ إلَى الذَّاتِيِّ وَالزَّمَانِيِّ رَفْضُ كَثِيرٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ إمَّا مَعْنَى مَجَازِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ أَوْ اصْطِلَاحٌ لِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَزَلِيٌّ) الْأَزَلُ هُوَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي أَزْمِنَةٍ مُقَدَّرَةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فِي جَانِبِ الْمَاضِي كَمَا أَنَّ الْأَبَدَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي أَزْمِنَةٍ مُقَدَّرَةٍ فِي جَانِبِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015