(وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ) كَاللُّطْفِ وَالْأَصْلَحِ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا فَلَا يَجِبُ إثَابَةُ الْمُطِيعِ وَعُقُوبَةُ الْعَاصِي وَإِلَّا لَمَا خَلَقَ الْكَافِرَ الْفَقِيرَ الْمُعَذَّبَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَمَا يَسْتَحِقُّ اللَّهُ الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ فِي إضَافَةِ الْخَيْرَاتِ لِكَوْنِهِمَا أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَلَمَا كَانَ لِسُؤَالِ الْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَكَشْفِ الضَّرَرِ وَنَحْوِهَا مَعْنًى لِأَنَّ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي حَقِّ كُلِّ مَفْسَدَةٍ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَرْكُهَا وَالتَّفْصِيلُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ ثُمَّ الْوَاجِبُ إمَّا مَا يَكُونُ تَرْكُهُ مُخِلًّا بِالْحِكْمَةِ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الذَّمَّ أَوْ مَا قَدَّرَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فِعْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّا نَعْلَمُ إجْمَالًا أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ عَلَى حِكْمَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمُنَا وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ الْكُلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الذَّمُّ فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَكَذَا الثَّالِثُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ التَّرْكُ جَائِزًا فَإِطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ وَمُوهِمٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَمْنُوعَيْنِ السَّابِقَيْنِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ ثَوَابُ الْمُطِيعِ فَضْلٌ وَدَلِيلُهُ الطَّاعَةُ وَعِقَابُ الْعُصَاةِ عَدْلٌ وَدَلِيلُهُ الْعِصْيَانُ.
(وَلَا يَحِلُّ فِيهِ حَادِثٌ) وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ فِي حَادِثٍ فَلَعَلَّهُ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَإِنْ صُحِّحَ بِتَكَلُّفٍ.
قَالَ الشَّرِيفُ الْعَلَّامَةُ فِي بَيَانِهِ لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَلَوْ كَانَ حَادِثًا لَكَانَ خَالِيًا عَنْهُ فِي الْأَزَلِ وَالْخُلُوُّ عَنْ صِفَةِ الْكَمَالِ نَقْصٌ وَأُورِدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْمَقَامُ إيرَادَهُ.
وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْأَزَلِ فَيَلْزَمُ الِانْقِلَابُ وَيُوجِبُ زَوَالَ ضِدِّهِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْخُلُوِّ عَنْ الْحَوَادِثِ.
وَأَمَّا الِاتِّصَافُ بِمَا لَهُ تَعَلُّقٌ حَادِثٌ أَوْ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ السُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ وَالْأَحْوَالِ فَلَيْسَ مِنْ الْمُتَنَازَعِ انْتَهَى (حَكِيمٌ) وَصْفُ مُبَالَغَةٍ بِمَعْنَى الْعَلِيمِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُتْقِنِ أَوْ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْيَافِعِيِّ أَوْ بِمَعْنَى عَالِمِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ لَوَازِمِهَا وَخَوَاصِّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ وَاضِعِ كُلٍّ مَوْضِعَهُ الْحَرِيَّ فَقَوْلُهُ (لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بِحِكْمَةٍ) كَالتَّفْسِيرِ لَهُ أَوْ ذَلِكَ دَلِيلٌ لِهَذَا قِيلَ عَنْ مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ الْحِكْمَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَإِيجَادُهَا عَلَى غَايَةِ الْإِحْكَامِ وَمِنْ الْإِنْسَانِ مَعْرِفَةُ الْمَوْجُودَاتِ وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ.
لَعَلَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى مَا قِيلَ: إنَّهُ إتْقَانٌ لِلصُّنْعِ فِي الْقَامُوسِ وَأَحْكَمَهُ أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ عَنْ الْفَسَادِ ثُمَّ قِيلَ: اُخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ الْحِكْمَةِ وَالسَّفَهِ فَعِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الْحِكْمَةُ مَالَهُ عَاقِبَةٌ حَمِيدَةٌ وَالسَّفَهُ ضِدُّهُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ هِيَ مَا وَقَعَ عَلَى قَصْدِ فَاعِلِهِ وَهُوَ ضِدُّهُ وَالْمُعْتَزِلَةُ هِيَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ ضِدُّهُ أَيْضًا ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْفِعْلِ مَا يَعُمُّ خَلْقَهُ وَأَمْرَهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ المضدراعي الْحِكْمَةُ فِيمَا خَلَقَ أَوَأَمَرَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ الْحِكْمَةَ لَيْسَتْ بِبَاعِثٍ عَلَى فِعْلِهِ وَإِلَّا يَلْزَمُ كَوْنُ فِعْلِهِ تَعَالَى مُعَلَّلًا بِالْأَغْرَاضِ وَقَدْ أُبْطِلَ فِي مَحَلِّهِ وَالنُّصُوصُ الظَّاهِرَةُ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: 5] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] مُعَلَّلَةٌ بِتِلْكَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ
وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ خِلَافًا لِلْأَشَاعِرَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهِ سِيَّمَا الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ