فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَزُولُ الشَّيْءُ بِمِثْلِهِ بَلْ إنَّمَا يَزُولُ بِمَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ
قُلْنَا حُكْمُ الْمُمَاثَلَةِ هُوَ التَّعَارُضُ فَيَتَسَاقَطَانِ فَيَزُولُ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ كَمَا سَبَقَ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالُوا: مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ هُنَا غَالِبُ الظَّنِّ (وَهَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ) كَأَنَّ مَا فِي كُتُبِ الشَّرْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (مُصَرَّحٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ) وَدَخَلَ تَحْتَهَا فُرُوعٌ كَقَوْلِهِمْ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ كَعَكْسِهِ وَهُوَ: تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَمُحْدِثٌ تَيَقَّنَ التَّيَمُّمَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَعَلَى تَيَمُّمِهِ اسْتَيْقَنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي التَّيَمُّمِ فَعَلَى حَدَثِهِ
تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ وَشَكَّ فِي سَبْقِهِمَا فَمُتَطَهِّرٌ
عَلِمَ عَدَمَ غَسْلِ عُضْوٍ لَكِنْ لَا بِعَيْنِهِ يَغْسِلُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلِ
شَكَّ فِي وُجُودِ النَّجَسِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّاهِرِيَّةِ؛ وَلِذَا أَفْتَوْا بِطَهَارَةِ طِينِ الطُّرُقَاتِ
أَكَلَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَشَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ
تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ حَمَلَ عَلَى الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ شَكَّ فِي صَلَاةٍ هَلْ صَلَّاهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ،
وَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ كَمَا لَوْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ وَالْمَنِيُّ مِنْ آخِرِ نَوْمِهِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْأَشْبَاهِ (وَلَمْ أَرَ مُخَالِفًا فِيهِ) أَيْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَإِذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ فِي طَهَارَةِ مَاءٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ طِينٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ لِبَاسٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ فَذَلِكَ الشَّيْءُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَحِلِّ الْأَكْلِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَكَذَا) كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ فِيمَا يَشُكُّ فِيهِ (إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَةٌ) فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ كَمَا عَرَفْت وَأَنْتَ عَرَفْت أَيْضًا أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ شَيْءٌ، وَأَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَ صَلَاةَ عُمُرِهِ مُنْذُ أَدْرَكَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ فَسَادَهَا بِسَبَبِ طَهَارَةٍ أَوْ تَرْكِ شَرْطٍ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُكْرَهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ انْتَهَى.
قَالَ شَارِحُهُ الْحَمَوِيُّ: قِيلَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ لِشُبْهَةِ الْفَسَادِ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَيَقْرَأُ فِي الْجَمِيعِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ (لَكِنْ) هُنَا أَيْ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ (يَحْتَسِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ) وَمِمَّا عَرَفْت آنِفًا وَسَابِقًا اللَّازِمُ يَجِبُ فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ غَلَبَةَ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِ الظَّنِّ.
(وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا اسْتِعْمَالُهُ) وَإِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهَا (كَسَرَاوِيلِ الْكَفَرَةِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ نَجَاسَتُهَا لِعَدَمِ تَوَقِّيهِمْ عَنْهَا لَعَلَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِلَلِ الْكَفَرَةِ (وَسُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) وَأَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ شَاهِدِ الْبَابِ لَكِنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ بِهَا: سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ (وَالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ) فِي غَلَبَةِ نَجَاسَةِ يَدِ مُطْلَقِ الصَّبِيِّ خَفَاءٌ لَا يَخْفَى (وَطِينِ الشَّوَارِعِ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ شَكَّ فِي وُجُودِ