فِي الْأَوَّلِ.
(حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اغْتَسَلَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ) ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَ لِلْيَوْمِ بَلْ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَمَّا لِلْيَوْمِ فَلِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْأَوْلَى لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ لِلْجُمُعَةِ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ بِلَا قَرِينَةٍ لَيْسَ بِجَائِزٍ، وَأَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الظَّاهِرِ لِلسُّنَّةِ (وَصَلَّى بِبَغْدَادَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إمَامٌ (فَوَجَدُوا فِي الْبِئْرِ) الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ (فَأْرَةً مَيْتَةً فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ) وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ كَمَا فُصِّلَ فِي الْفِقْهِيَّةِ وَأَيْضًا إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
(فَقَالَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) كَالْمَالِكِيَّةِ (تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خُبْثًا» كَذَا فِي التتارخانية وَغَيْرِهَا) لَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْأُصُولِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُقَلِّدَ الْمُجْتَهِدَ مَعَ خِلَافِ رَأْيِهِ اتِّفَاقًا فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ قُلْنَا: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَقْلِيدِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا نَعَمْ قَدْ يُقَالُ يُرَخَّصُ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ الْحَادِثَةِ لَكِنَّ كَوْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَعَلَّ الْأَوْجَهَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُمْ التَّابِعُونَ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنِّي فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ لِلْأَعْلَمِ مِنْهُ إذَا كَانَ الْأَعْلَمُ صَحَابِيًّا أَوْ تَابِعِيًّا، وَالتَّفْصِيلُ فِي زُبْدَةِ الْوُصُولِ فِي الْأُصُولِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى جَوَابِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ بِقَوْلِهِ (وَلَعَلَّ حُرْمَةَ التَّقْلِيدِ لِلْمُجْتَهِدِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَا قَلَّدَهُ حُكْمًا قَوِيًّا مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دَاخِلًا فِي ظَاهِرِ النَّصِّ) فَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ فَيَجُوزُ؛ إذْ الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنَّفِينَ لَعَلَّ قُوَّةَ الِاهْتِمَامِ فِي الْأَوَّلِ مَانِعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَعَدَمُ قُوَّتِهِ فِي الثَّانِي مُجَوِّزٌ إيَّاهُ.
وَأَقُولُ: إنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نَظَرِيًّا مُحْتَاجًا إلَى الِاجْتِهَادِ حَتَّى يُقَلِّدَ بَلْ مَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي ظَاهِرِ نَصٍّ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى قِيَاسٍ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ الْعَامِّيَّةُ (أَوْ فِي الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ) الْأَقْرَبُ لَفْظًا عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ وَمَعْنًى عَلَى قَوْلِهِ حُكْمًا قَوِيًّا (لَا الْوَسَائِلِ) فَلِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ فِي الْوَسَائِلِ، مِثْلُهُ فِي الْمَقَاصِدِ جَوَّزَ فِيهَا دُونَهَا فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَرْوِيجًا لِمَا كَانَ فِي صَدَدِهِ لَكِنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْأُصُولُ، وَلَمْ يُرَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيهِ فَالْأَوْجَهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا أَوْ مَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ غَيْرُ مَمْنُوعِ التَّقْلِيدِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَيَجُوزُ كَوْنُ أَبِي يُوسُفَ مِنْهُمْ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ (فَإِذَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ) كَأَبِي يُوسُفَ هُنَا (التَّقْلِيدُ فِيهِ) فِي بَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ (فَجَوَازُهُ لِلْمُقَلِّدِ أَوْلَى) فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ أَيَّ مُجْتَهِدٍ كَانَ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ تَقْلِيدِ حَنَفِيٍّ لِمَالِكِيٍّ فَضْلًا عَنْ شَافِعِيٍّ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ بَلْ قِيلَ هُنَا أَيْضًا: وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ إنْ عَمِلَ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ.
(وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ (فَالْأَصْلُ) أَيْ فَهُوَ الْأَصْلُ (فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ لِمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْفَتَاوَى: وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَالظَّنِّ بَلْ يَزُولُ بِيَقِينٍ بِمِثْلِهِ)