النَّجِسِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّاهِرِيَّةِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: حَوْضٌ تَمْلَأُ مِنْهُ الصِّغَارُ وَالْعَبِيدُ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ وَالْجِرَارِ الْوَسِخَةِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ نَجَاسَةٌ؛ وَلِذَا أَفْتَوْا بِطَهَارَةِ طِينِ الطَّرَقَاتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ طِينَ الشَّوَارِعِ إنْ كَانَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي السِّرَاجِ
، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَشَى فِي الطِّينِ وَأَصَابَهُ لَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ غَسْلُهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الصَّلَاةِ غَسْلُهُ وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (إذَا لَمْ يُرَ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا أَثَرُهَا وَأَوَانِي الْمُشْرِكِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا) كُلِّهِ (مَا ذَكَرْنَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ «أَكْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ضِيَافَةِ الْيَهُودِيِّ وَالْيَهُودِيَّةِ» مَعَ أَنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ فِي طَعَامِهِمْ وَأَوَانِيهِمْ النَّجَاسَةُ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ فِيمَا يُكْرَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ قَدْ بُعِثَ أُسْوَةً وَإِمَامًا لِلْأُمَّةِ وَهَادِيًا لَهُمْ بَلْ عَامَّةُ فِعْلِهِ الْقَصْدِيِّ لَيْسَتْ بِأَقَلَّ مِنْ النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فَتَأَمَّلْ أَوْ ارْجِعْ إلَى بَعْضِ مَا مَرَّ (وَمَا خَرَّجَهُ " د " عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا يَعِيبُ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ذَلِكَ عَلَيْنَا» فَسُنَّةٌ تَقْرِيرِيَّةٌ وَسُكُوتِيَّةٌ إذْ سُكُوتُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ حُجَّةٌ وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الضَّرُورَةِ بَعِيدٌ.
(وَكَذَا فِي التتارخانية وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: الصَّبِيُّ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي كُوزِ مَاءٍ أَوْ رِجْلَهُ فِيهِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ يَدَهُ) أَوْ رِجْلَهُ (طَاهِرَةٌ بِيَقِينٍ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ (يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهَذَا الْمَاءِ) فِي إيرَادِ هَذَا لَا يُعْلَمُ كَثِيرُ نَفْعٍ فِي الْمَقَامِ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ قَوْلُهُ (وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ يَدَهُ) أَوْ رِجْلَهُ (نَجِسَةٌ بِيَقِينٍ) أَوْ أَخْبَرَ الْعَدْلُ أَوْ الْعَدَدُ (وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ رَاكِدٌ قَلِيلٌ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ) قِيلَ لِحَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ تَبَعِيَّةِ الْوَسْوَسَةِ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، وَالْعَادَةُ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِذَا قَالَ (لِأَنَّ الصَّبِيَّ) لَا سِيَّمَا الْغَيْرَ الرَّشِيدَ (لَا يَتَوَقَّى مِنْ النَّجَاسَاتِ عَادَةً وَمَعَ هَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى) ، وَفِي الْإِجْزَاءِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى لَا يَخْفَى إنْ سَلَّمَ تِلْكَ الْعَادَةَ فِي الصَّبِيِّ يَلْزَمُ الْقَطْعُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ؛ إذْ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ كَمَا قَالُوا فِي حَدِّ الْمَاءِ الْجَارِي: الْأَصَحُّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا، وَفِي وُقُوعِ الْكَثِيرِ فِي الْبِئْرِ الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَكَوْنُ الْعَادَةِ مِعْيَارَ الْحُكْمِ الْقَطْعِيِّ فِي بَابِ الْحَيْضِ مَعْرُوفٌ، وَكَذَا أَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ تُنْبِئُ عَلَى عُرْفِهِمْ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَكَذَا وَهَكَذَا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ عَادَةٍ وَعَادَةٍ وَيَدَّعِيَ أَنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ مِنْ الصَّبِيِّ لَيْسَتْ مِمَّا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ وَمَا ذُكِرَتْ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مِمَّا لَا يَغْلِبُ فَافْهَمْ.
(وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَيُكْرَهُ) قِيلَ تَنْزِيهًا (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) وَكَذَا سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتِ (فِي أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ) وَلَوْ أَهْلَ الْكِتَابِ (قَبْلَ الْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ أَوَانِيهِمْ النَّجَاسَةُ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ (وَيَشْرَبُونَ ذَلِكَ وَيَأْكُلُونَ فِي قِصَاعِهِمْ) جَمْعُ قَصْعَةٍ (وَأَوَانِيهِمْ فَيُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهَا قَبْلَ الْغَسْلِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ) لَا يَخْفَى كَمَا عَرَفْت مِرَارًا أَنَّ اقْتِدَاءَ الْغَلَبَةِ وَالظُّهُورِ هُوَ الْحُرْمَةُ وَالنَّجَاسَةُ؛ إذْ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الشَّرْعِ حُكْمُ التَّيَقُّنِ إلَّا أَنْ يُتَجَوَّزَ بِنَحْوِ مَا أُشِيرَ (كَمَا كُرِهَ التَّوَضُّؤُ بِسُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّى مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ وَكَمَا كُرِهَ التَّوَضُّؤُ بِمَا أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ