فَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِمُطْلَقِ عَدَمِ التَّغَيُّرِ كَمَالِكٍ (انْتَهَى) كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (مُخْتَصَرًا) لَا يَخْفَى أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا النَّقْلِ بَيَانُ حَالِ السَّلَفِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ مَيْلِ جَانِبِ السَّعَةِ دُونَ تَضْيِيقِ بَعْضِ مُدَّعِي التَّوَرُّعِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مَذْهَبًا فَتَدَبَّرْ (وَالرَّابِعُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَاءُ الْجَارِي) بِأَنْ يَذْهَبَ بِتَبِنَةٍ كَمَا هُوَ الْهِدَايَةُ وَالْكَافِي وَبِأَنْ لَا يَتَكَرَّرَ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا قِيلَ.
وَفِي الدُّرِّ الْمُبْتَغَى: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا (لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ مُطْلَقًا) مَرْئِيَّةً أَوْ لَا وَقِيلَ لَا فِي أَكْثَرِهِ أَوْ لَا قِيلَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ لَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: النَّهْرُ إذَا كَانَ يَجْرِي بَعْضُهُ عَلَى الْجِيفَةِ إنْ كَانَ مَا يُلَاقِي الْجِيفَةَ أَكْثَرَ أَوْ كَانَا سَوَاءٌ فَالْمَاءُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ مَا يَجْرِي عَلَى الْجِيفَةِ أَقَلَّ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ أَنَّ الْجَارِيَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جِيفَةً أَوْ غَيْرَهَا فَإِذَا بَالَ إنْسَانٌ فِيهِ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ يَجُوزُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ: وَلَوْ كُسِرَتْ خَابِيَةُ خَمْرٍ فِي الْفُرَاتِ، وَرَجُلٌ يَتَوَضَّأُ أَسْفَلَهُ مِنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِي الْمَاءِ طَعْمَ الْخَمْرِ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ (وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً فَإِنْ لَاقَى أَكْثَرُ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ أَوْ) لَاقَى (نِصْفُهُ فَنَجِسٌ) وَعِنْدَ الْبَعْضِ النِّصْفُ مُلْحَقٌ بِالطَّاهِرِ (وَإِنْ أَقَلَّهُ فَطَاهِرٌ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ مُرَادِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُرَادُهُمْ: إنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَصْفٌ مُنَفِّرٌ، وَتَغَيَّرَ مَرْئِيُّهُ أَوْ لَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلنَّاسِ وَأَرْفَقُ لِلْقِيَاسِ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا الْإِطْلَاقُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ لَاقَى أَكْثَرُ الْمَاءِ أَوْ نِصْفُهُ النَّجَاسَةَ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَحْوَطُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِصْفُ الْمَاءِ إذَا لَاقَى النَّجَاسَةَ فَظَاهِرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي.
(وَأَمَّا مَاءُ الْبِئْرِ فَلَهُ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ) فِي الْفِقْهِ (وَأَمَّا مَا عَدَاهُمَا) وَهُوَ الرَّاكِدُ (فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَكَالْمَاءِ الْجَارِي) لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ (وَإِلَّا فَيَتَنَجَّسُ بِقَلِيلِ نَجَاسَةٍ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّغَيُّرُ (وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ) عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ بِحَسَبِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعُمْقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْحَسِرُ أَرْضُهُ بِالْغَرْفِ لِلْوُضُوءِ، وَقِيلَ لِلِاغْتِسَالِ وَإِذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ كُلُّهُ هَلْ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً يَتَنَجَّسُ، وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَتَنَجَّسُ فِيهِمَا وَقَدْ يَعْتَبِرُ مَا هُوَ بِقَدْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ طُولٌ وَعُمْقٌ وَلَا عَرْضَ لَهُ لَكِنْ لَوْ بُسِطَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَصِلُ إلَى الْأَرْضِ.
وَقَالَ أَبُو النَّصْرِ: يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَرْضِ، وَإِنْ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ لَكِنَّ اعْتِبَارَ الطُّولِ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَتَنَجَّسُ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْحَوْضُ الْمُدَوَّرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا هُوَ الصَّحِيحُ (وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: يُعْتَبَرُ فِيهِ