(وَالثَّالِثُ إصْغَاءُ) بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةِ الْإِمَالَةُ (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ وَعَدَمُ تَغْطِيَةِ الْأَوَانِي مِنْهَا) مَعَ أَنَّ سُؤْرَهَا مَكْرُوهٌ لَا يَلِيقُ بِسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمُنَفِّرِ وَأَيْضًا كَوْنُ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا حُرِّرَ هُنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِطَهَارَةِ سُؤْرِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ: «سُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ» (وَالرَّابِعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَصَّ عَلَى أَنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ طَاهِرَةٌ إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يُلَاقِيَ الْمَاءُ النَّجَاسَةَ بِالْوُرُودِ عَلَيْهَا أَوْ بِوُرُودِهَا عَلَيْهِ) حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِنَجَاسَةِ الثَّانِي مُطْلَقًا بَعْدُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ، وَطَهَارَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْغَيْرَ الْبَالِغِ قُلَّتَيْنِ يَتَنَجَّسُ بِالنَّجِسِ وَلَوْ قَلِيلًا، وَالْمَفْهُومُ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا الْمَفْهُومِ شَامِلٌ لَهُمَا مَعًا (وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ) أَيْ النَّجِسَ (إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ جَارٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِهِ (أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ (قَلِيلًا، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ) حَتَّى يَفْصِلَ بِبُلُوغِ الْقُلَّتَيْنِ وَعَدَمِهِ، وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فِي سَنَدِهِ اضْطِرَابٌ لَا يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَعَدَمُ الْفَرْقِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَدْ عَرَفْت عَدَمَ ضَرَرِ الِاضْطِرَابِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَارِيَ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِسَيَلَانِهِ دُونَ الرَّاكِدِ

(وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ إذَا وَقَعَ رِطْلٌ مِنْ الْبَوْلِ فِي قُلَّتَيْنِ ثُمَّ فَرَّقْنَاهُ فَكُلُّ كُوزٍ يَغْتَرِفُ مِنْهُ طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ طَاهِرٍ (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ مُنْتَشِرٌ فِيهِ) فِي ذَلِكَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَعْنِي الْقُلَّتَيْنِ (وَهُوَ قَلِيلٌ) مِنْ الْقُلَّتَيْنِ فَيَلْزَمُهُ النَّجَاسَةُ لِعَدَمِ الْقُلَّتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ.

وَأُجِيبَ أَنَّهُ اُسْتُهْلِكَ الْبَوْلَ فِي الْقُلَّتَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِبَارٌ وَلَا كَذَلِكَ الْوَاقِعُ مِنْهُ فِي الْقَلِيلِ بِمُلَاقَاتِهِ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ فَرْضَ وُقُوعِ نِصْفِ هَذَا الرَّطْلِ فِي قُلَّةٍ وَاحِدٍ يَتَنَجَّسُ فِي الِابْتِدَاءِ فَمَا وَجْهُ عَدَمِ تَنَجُّسِهِ فِي الِانْتِهَاءِ لَعَلَّ الْأَوْلَى هُوَ أَنْ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا احْتَجَّ بِالنَّصِّ، وَهَذَا رَأْيٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ (وَالسَّابِعُ أَنَّ الْحَمَّامَاتِ) مَوْضِعَ الْغُسْلِ (لَمْ تَزَلْ فِي الْأَعْصَارِ الْخَالِيَةِ) السَّابِقَةِ (يَتَوَضَّأُ فِيهَا) فِي حِيَاضِهَا (الْمُتَقَشِّفُونَ) الْمُبَالِغُونَ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ (وَيَغْمِسُونَ الْأَيْدِيَ وَالْأَوَانِيَ فِي تِلْكَ الْحِيَاضِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ) بِأَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ (وَمَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَيْدِيَ النَّجِسَةَ وَالطَّاهِرَةَ كَانَتْ تَتَوَارَدُ عَلَيْهِ) مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ الْمُتَوَضِّئِينَ مِمَّنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَيُحْتَجُّ بِأَفْعَالِهِ، وَكَوْنَ تِلْكَ الْقُلَّةِ نَاقِصَةً مِنْ الْقُلَّتَيْنِ، وَكَوْنَ تَوَارُدِ الْأَيْدِي النَّجِسَةِ مَعْلُومًا لَهُمْ بَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْعَادَاتِ وَلَيْسَتْ الْمَذْكُورَاتُ مُطَّرِدَةً (فَهَذِهِ الْأُمُورُ) السَّبْعَةُ (مَعَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ) لِلْمَاءِ (تُقَوِّي فِي النَّفْسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ إلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ) الْأَوْلَى إلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ فَقَطْ لَا التَّغَيُّرِ عِنْدَ الْقُلَّتَيْنِ وَالتَّنَجُّسِ مُطْلَقًا عِنْدَ نَقْصِهِ عَنْهُمَا وَإِلَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015