فِي الْمَاءِ الْجَارِي الْوَصْفَ الْمُنَفِّرَ فَقَطْ كَمَالِكٍ وَحَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ إذَا وُجِدَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَإِلَّا فَبِطَهَارَتِهِ، وَكَذَا عِنْدَنَا فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى وَأَمَّا فِي الرَّاكِدِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَكَذَا، وَإِلَّا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ عِنْدَ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ وُجِدَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ أَوْ لَا وَحَمَلَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ عَلَى الْجَارِي وَالرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ هَذَا الْمِقْدَارَ تَطْبِيقًا بَيْنَهُمَا وَالْجَوَابُ مِنْ طَرَفِ مَالِكٍ أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ اضْطِرَابًا، وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ مُطْلَقٌ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ: فِي إسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ يَرُدُّهُ مَا فِي الْفَيْضِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ حَسَنٌ " د " فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ضَعَّفَهُ " د " وَهَمٌ وَكَفَى شَاهِدًا تَصْحِيحُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَ " حب " وَاعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ بِصِحَّتِهِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إنَّ إسْنَادَهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى شَرْطِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: جَيِّدٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ صَحِيحٌ وَلَمْ يَرَوْا الِاضْطِرَابَ فِيهِ قَادِحًا انْتَهَى بِنَحْوِ إيجَازٍ
ثُمَّ قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ مُطْلَقٌ أَيْ حَدِيثُ مَالِكٍ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَعَدَمِ قَدْحِ الِاضْطِرَابِ فَمُطْلَقُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ يُحْمَلُ عَلَى تَقْيِيدِ الثَّانِي فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ الْبَالِغَ قُلَّتَيْنِ طَاهِرٌ إلَى آخِرِهِ
وَهُنَا رِوَايَةٌ أُخْرَى وَهِيَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» فَحُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ كَذَلِكَ (وَقَالَ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِحْيَاءِ: وَكُنْت أَوَدُّ) أُحِبُّ (أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِسَبْعَةِ أَدِلَّةٍ الْأَوَّلُ: عَدَمُ وُقُوعِ السُّؤَالِ مِنْ أَوَّلِ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ) - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَهُوَ تَمَامُ مِائَةِ عَامٍ مِنْ وَفَاتِهِ (عَنْ كَيْفِيَّةِ حِفْظِ الْمَاءِ وَحَالِهِ) فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِبْرَةُ فِي طَهَارَةِ الرَّاكِدِ مُطْلَقًا بِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُنَفِّرِ بَلْ شُرِطَ مَعَ عَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ السُّؤَالِ وَجْهٌ مَعَ كَمَالِ اهْتِمَامِهِمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَكَذَا لِارْتِكَابِهِمْ الْكَرَاهَةَ وَلَوْ تَنْزِيهًا عُدِمَ الدَّوَامُ كَمَا ذَكَرَ الْمُحَشِّي لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَظْهَرُ مِمَّا حُرِّرَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هُنَا فَلَا يَخْلُو مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ الْقُصُورِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ مِنْ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَجُوزُ كَوْنُ عَدَمِ سُؤَالِهِمْ لِأَجْلِ فَهْمِهِمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّصِّ كَحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ (وَكَانَتْ أَوَانِي مِيَاهِهِمْ يَتَعَاطَاهَا الصِّبْيَانُ وَالْإِمَاءُ وَاَلَّذِينَ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ النَّجَاسَةِ) لِجَهْلِهِمْ حُكْمَ الْحَادِثَةِ أَوْ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِمْ الْمُمَيِّزَ، وَكُلُّ أَوَانِي مِيَاهٍ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَأْنِهِ، وَهُمْ لَا يَسْأَلُونَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ عَدَمَ سُؤَالِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ زَوَالِ الْيَقِينِ؛ إذْ هَذَا التَّعَاطِي إنَّمَا يُورِثُ الشَّكَّ لَا الْقَطْعَ، وَالطَّهَارَةُ الْأَصْلِيَّةُ يَقِينِيَّةٌ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يَكُونُ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجِسِ فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ (وَالثَّانِي تَوَضَّأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَاءٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ إلَّا عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ) فِي الْحَصْرِ خَفَاءٌ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّعْوِيلِ لِعَدَمِ خَبَرِ عَدْلٍ أَوْ عَدَدٍ مَثَلًا (وَإِلَّا فَنَجَاسَةُ النَّصْرَانِيَّةِ وَإِنَائِهَا غَالِبَةٌ) إنْ أُرِيدَ بِالْغَلَبَةِ مَرْتَبَةُ الظَّنِّ الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَإِنْ الظَّنُّ الْمُجَرَّدَ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ