وهذا الجامع الجليل قد أشتمل على كثير من فنون العلم، فإنه صنفه على الأبواب، وأسند فيه الحديث وعدد الطرق، وذكر الأسماء والكني والأنساب، وبين السقيم من الصحيح، والعدل من الجريح، والمقطوع من الموصول، وما هو من الحديث متروك أو به معمول، ونص على اختلاف الأئمة في الرد والقبول، إلى غير ذلك من العلوم التي احتوى عليها هذا الجامع المفيد الذي روينا عن الحافظ أبي بكر بن عبد الغني البغدادي رحمه الله، روي بإسناده إلى مصنفه أنه قال: صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم.
وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ جَامِعِهِ الْمَذْكُورِ: جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْحَدِيثِ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، قَدْ أَخَذَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ، حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالْمَدِينَةِ، وَالْمَغْرِبِ , وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ , قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا فِي الْكِتَابِ وروينا عن أبي بكر بن العربي رحمه الله أنه قال: ليس في قدر كتاب أبي عيسي مثله حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وفيه أربعة عشر علمًا فرائد صنف، وذلك أقرب إلى العمل وأسند، وصحح وأسقم وعدد الطرق، وحرج العدل، وأسمي وأكني، ووصل وقطع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه وفرد في نصابه، فالقارئ لا يزال في رياض مونقة، وعلوم متفقة متسقة، وهذا نشر لا يعمه إلا العلم العزيز والتوفير الكثير، والفراغ للتدبر والتدبير، وبالله التوفيق.