- 8 -
كل الدلائل الظاهرة والخفية كانت تشير إلى أن العام الدراسي الأخير في دار المعلمين (1947 - 1948) سيكون عرضة لعواطف هوج، لأن دار المعلمين جزء من العراق القلق الذي تنذر الأمور فيه بالانفجار، ولم يكن ليعمى عن هذه النذر والمرهصات إلا السياسيون الذين شغلوا أنفسهم في التغزل بالصداقة العراقية البريطانية، وأتخمتهم مناصبهم واقطاعاتهم عن رؤية مواضع الألم في جسم الشعب المسكين؛ فقد حبست حكومة السيد صالح جبر انها بمصادرة الصحف، وسجن بعض الزعماء الوطنيين، وإيداع زعماء الحزب الشيوعي في قفص التأييد، ومهاجمة المكتبات بحثا عن الكتب الثورية والمنشورات، حسبت أنها ضمنت بذلك أقصى ما تؤمل من هدوء واستقرار، ولكن الطبقات الفقيرة كانت مهددة بالمجاعة، تفتش عن الخبز فلا تجده، وأهواء البلاد فارغة تصفر فيها الريح، ومشكلة فلسطين آخذة بالتعقد، متدرجة من سيئ إلى أسوأ، فكل اقتراب جديد من بريطانيا معناه محالفة الطغيان الاستعماري الذي تعاون مع الصهيونية تعاونا كاملا سافرا طوال ثلاثين سنة، وجثم على صدر العراق ردحا مقاربا من الزمن.
تلك الظروف هي التي مهدت لما يعرف في التاريخ العراقي الحديث باسم " وثبة كانون الثاني " (1948) ، وذلك احتجاجا على معاهدة