الآخر: فهناك من يحلو له أن يقول أن السياب أحب المطر لأنه عبر عن هذا الحب في قصيدة أو قصيدتين، ولكن الشاعر كان رهين لحظات نفسية متقلبة، فقد يكون المطر لديه عاملا من عوامل الخصب، وقد يكون طهورا يغسل الخطايا، ثم يكون في موقف ثالث صنوا للدم والدموع. وكذلك يقال في فطرة البعث: فقد كان السياب يؤمن به حين يحس بالتفاؤل، ولكن ها هو في قصيدة " تموز جيكور " ينكر البعث كله، لأنه اختار العدم؟ الراحة الأبدية، لنفسه، وليجيكور، التي كانت ترمز إلى كل ما يحبه على الأرض. ولهذا قد يبدو من التعميم التغليبي قول الأستاذ فؤاد رفقه: " أنه يبشر بالعودة الأزلية وبالصراع مع الزمنية، وهذا البعث لا بد من أن يمطر على بلاده، على حقولها وبيادرها وجذورها " (?) لأن هذا القول يمثل جانبا من الصورة، ولكنه لا يمثل الصورة في جميع جوانبها.

وحين نعيد النظر في القصائد الجيكورية؟ في هذه الفترة - نحس أن جيكور قد أصبحت قطبا محوريا في فهم مزدوجات الحياة: أي الحقيقتين؟ حين يعرضان نفسيهما معا - أحق بالقبول: جيكور أو المدينة (من حيث البقعة المكانية) العودة إلى الطفولة أو المضي في الكفاح، الموت من اجل البعث أو الموت نفسه، الأم أو الزوجة، قيم الروح أو قيم المادة، الماضي أو الحاضر، الإيمان أو الإلحاد، وفي اغلب الأحايين كان الشاعر مع الفريق الأول من هذه القيم، ولكنه كان يحس بانهزامه، إلا مرة واحدة أحس فيها جيكور اتسعت وامتدت حتى شملت كل شيء، وفاضت خضرتها على الوجود كله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015