فقد لاح فجر انطلاق العبيد ... وانا رفعنا لواء السلام ... رفعناه فليخسان الظلام ... وليس ما أخلت به الطبعة الثانية مما حذف لان الشاعر حاول أن يعدل في المبنى الفني؛ وقد يسأل سائل: هل أخل هذا الحذف ببناء القصيدة، وهل يستطع ان يدركه من كان لا يعرف الطبعة الأولى؟ وهذا سؤال لا يحتاج جوابا، فقد سبق أن أشرت إلى أن التفصيلات الجزئية في القصيدة كثيرة، ومعنى ذلك ان هناك جزئيات أخرى لو أسقطت منها لما أحس القارئ بأن هناك لبنة سقطت من موطنها الطبيعي. والسؤال الذي يحق ان يلقى هو: لم حذفت تلك الأجزاء دون سواها؟ إذ من الواضح ان المحذوف يتصل بموضوع واحد، وهو إخفاء الهجوم على طواغيت " وول ستريت " وإخراس الصوت الذي يتحدث عن قضية الزنوج، وطمس الخاتمة التي تتحدث عن رفع " لواء السلام ". ولا يحتاج القارئ إلى تأمل كثير كي يدرك سر الحذف، فان كان الذين تولوا نشر الكتاب هم الذين قاموا بذلك، فان طبيعة المحذوف تفضح ماهية الهدف، وان كان السياب هو الذي تولى ذلك فانه أمر قد يحمل على نزعة المراضاة والمجاملة للناشر، وهو أمر يقرر ان هذه النزعة لدى السياب؟ كما أشرت من قبل - كانت تصيب مبادئه ودفنه بخدوش، وأحيانا بجروح عميقة. أم ترى أن السياب راجع خطأه حين وجد ان الزنوج كانوا ينعمون بالحرية والمساواة وان عصا التفرقة العنصرية قد كسرت إلى الأبد؟ من العسير ان ننسب إلى الشاعر عرضه للمبادئ والمواقف؟ حسب متطلبات السوق الراهنة -، ولكن من العسير أيضاً أن تتصور مفكرا يتنازل عن نزعته الإنسانية في سبيل عرض هذا الأدنى؟ اعني المراضاة والمجاملة، والفوز لقاء ذلك بطبعة أنيقة لديوان شعر.