- 13 -
ولعله نظم قصيدة " حفار القبور " بعد نظمه قصيدة " فجر السلام " بقليل، أو ربما في إنشاء القصيدتين في وقت معا؛ وهو لم يذكر قصيدة " حفار القبور " بين القصائد التي احبها في تلك الفترة، لا لأنها ليست تمثل موقفا يساريا وحسب بين تلك القصائد، وإنما لأنها تمثل مشكلة في طريق تطوره الفني، وهي من هذه الناحية مقدمة لقصيدة " المومس العمياء " التي ستفضح ازدواجية السياب، وتكشف عن ضعف انتمائه اليساري عامة. كلتا القصيدتين ظاهرتين قائمتين؟ على شذوذهما - في المجتمع، وتحاولان الحديث عن الظاهرة النتيجة، ولعل الفرق بينهما هو ان " حفار القبور " تتحدث عن النتيجة دون أسبابها، وان " المومس العمياء " تتحدث عن النتيجة مع إرجاعها إلى أسباب ثانوية أو خاطئة.
وحين وقعت إلي قصيدة " حفار القبور " بعيد صدورها كتبت مراجعة عنها، منقطعة الصلة بتطور السياب الفني، وما يلابس حياته ومبادئه، ولما كان رأيي في ما قلته حينئذ لم يصبه تغير يذكر؟ لأني عرضت لمضمون القصيدة وحده - فأني أعيده هنا بشيء من الإيجاز: " حفار القبور هو الرجل الجائع الذي يموت إن لم يمت الناس، فهو يكره السلام ويتمنى الحرب ويمقت الكسل والخمول في عزرائيل