للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسُدُّ عنه تلك الأبوابَ كلَّها، وكم منْ حرب جرَّتها كلمةٌ واحدة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "وَهَلْ يكُبُّ النّاسَ عَلَي مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إلَّا حَصَائِدُ ألْسِنتَهِمْ" (?). وفي التِّرمذي أن رجلًا من الأنصار توفي فقال بعض الصحابة: طوبى له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا يُدْرِيكَ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخلَ بِمَا لا يَنْقُصُهُ" (?).
وأكثر المعاصي إنما تولدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسعُ مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يَمَلَّانِ ولا يسأمان، بخلاف شَهْوة البطن، فإنه إذا امتلأ لم يَبْقَ فيه إرادةٌ للطعام، وأما العين واللِّسان فلو تُرِكا لم يفتُرا من النظر والكلام، فجنايتُهما مُتَّسِعَةُ الأطراف، كثيرةُ الشُّعَبِ، عظيمةُ الآفات، وكان السلف يحذِّرون من فضول النظر، كما يحَذِّرون من فضول الكلام (?)، وكانوا يقولون: "ما شيءٌ أحوجَ إلى طول السَّجن من اللِّسانٍ" (?).
وأما فضولُ الطعام، فهو داعٍ إلى أنواع كثيرة من الشَرِّ، فإنه يحَرِّكُ الجوارحَ إلى المعاصي، ويثقلُها عن الطاعات، وحسبُك بهذين شرًّا! فكم مِنْ مَعصيةٍ جلبها الشبعُ وفضولُ الطعام، وكم من طاعة حال