بدائع الفوائد (صفحة 567)

الفعل مع الحرف الذي يقتضيه غيره قائما مقام الذكر الفعلين وهذا من بديع اللغة وكمالها ولو قدر تعاقب الحروف ونيابة بعضها عن بعض فإنما يكون ذلك إذا كان المعنى مكشوفا واللبس مأمونا فيكون من باب التفنن في الخطاب والتوسع فيه فإما أن يدعى ذلك من غير قرينة في اللفظ فلا يصح وسنشبع الكلام على هذا في فصل مفرد إن شاء الله تعالى والذي حملهم على دعوى ذلك أنهم لما رأوا الخوف منتفيا عن المذكور بعد إلا ظنوا أنها بمعنى الواو لكون المعنى عليه وغلطوا في ذلك فإن الخوف ثابت له حال ظلمه وحال تبديله الحسن بعد السوء أما حال ظلمه فظاهر وأما حال التبديل فلأنه يخاف أنه لم يقم بالواجب وأنه لم يقبل منه ما أتى به كما في الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت "قلت: يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} هو الرجل يزني ويسرق ويخاف؟ قال: يا بنت الصديق هو الرجل يصوم ويصلي ويخاف أن لا يقبل منه"، فمن ظلم ثم تاب فهو أولى بالخوف وإن لم يكن خوف عليه. وقد يجيء الانقطاع في هذا الاستثناء من وجه آخر وهو أن ما بعد إلا جملة مستقلة بنفسها فهي منقطعة مما قبلها انقطاع الجمل بعضها عن بعض فسمى منقطعا بهذا الاعتبار كما تقدم نظيره والله أعلم.

المثال الحادي عشر: قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أعلم بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} فهذا يبعد تقدير دخوله فيما تقدم قبله جدا وإنما هو إخبار عن مال الفريقين فلما بشر الكافرين بالعذاب بشر المؤمنين بالأجر غير الممنون فهذا من باب المثاني الذي يذكر فيه الشيء وضده كقوله تعالى: {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} فليس هناك مقدر يخرج منه هذا المستثنى والله أعلم.

المثال الثاني عشر: قوله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} فمن آمن ليس داخلا في الأموال والأولاد ولكنه من الكلام المحمول على المعنى لأنه تعالى أخبر أن أموال العباد وأولادهم لا تقربهم إليه وذلك يتضمن أن أربابها ليسوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015