بدائع الفوائد (صفحة 568)

هم من المقربين إليه فاستثنى منهم من آمن وعمل صالحا أي لا قريب عنده إلا من آمن وعمل صالحا سواء كان له مال وولد أو لم يكن له والانقطاع فيه أظهر فإنه تعالى نفى قرب الناس إليه بأموالهم وأولادهم وأثبت قربهم عنده بإيمانهم وعملهم الصالح فتقدير لكن ههنا أظهر من تقدير الاتصال في هذا الاستثناء وإذا تأملت الكلام العربي رأيت كثيرا منه واردا على المعنى لوضوحه فلو ورد على قياس اللفظ مع وضوح المعنى لكان عيا وبهذه القاعدة تزول عنك إشكالات كثيرة ولا تحتاج إلى تكلف التقديرات التي إنما عدل عنها المتكلم لما في ذكرها من التكلف فقدر المتكلفون لنطقه ما فر منه وألزموه بما رغب عنه وهذا كثير في تقديرات النحاة التي لا تخطر ببال المتكلم أصلا ولا تقع في تراكيب الفصحاء ولو سمعوها لاستهجنوها وسنعقد إن شاء الله تعالى فصلا مستقلا.

المثال الثالث عشر: قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً} وتقدير الدخول في هذا أظهر إذ المعنى لن ينالوا منكم إلا أذى وأما الضرر فإنهم لن ينالوه منكم {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} فنفى لحوق ضرر كيدهم بهم مع أنهم لا يسلمون من أذى يلحقهم بكيدهم ولو أنه بالإرهاب والكلام وإلجائهم إلى محاربتهم وما ينالهم بها من الأذى والتعب ولكن ليس ذلك بضارهم ففرق بين الأذى والضرر.

المثال الرابع عشر: قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ} المشهور ظلم مبنى للمفعول وعلى هذا ففي الاستثناء قولان: أحدهما: أنه منقطع أي لكن من ظلم فإنه إذا شكا ظالمه وجهر بظلمه له لم يكن آثما وتقدير الدخول في الأول على هذا القول ظاهر فإن مضمون لا يحب كذا أنه يبغضه ويبغض فاعلة إلا من ظلم فإن جهره وشكايته لظالمه حلال له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "الواجد يحل عرضه وعقوبته"، فعرضه شكاية صاحب الحق له وقوله: ظلمني ومطلني ومنعني حقي وعقوبته ضرب الإمام له حتى يؤدي ما عليه في أصح القولين في مذهب أحمد وهو مذهب مالك وقيل هو حبسه وقيل هو استثناء متصل والجهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015