بدائع الفوائد (صفحة 566)

فإنه نفى سماع شيء وأثبت ضده وعلى الثاني نفى سماع كل شيء إلا السلام وليس المعنى عليه فإنهم يسمعون السلام وغيره فتأمله.

المثال الثامن: قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الأُولَى} فهذا من الاستثناء السابق زمانه زمان المستثنى منه ولما كانت الموته الأولى من جنس الموت المنفى زعم بعضهم أنه متصل. وقال بعضهم: (إلا) بمعنى بعد والمعنى لا يذوقون بعد الموتة الأولى موتا في الجنة وهذا معنى حسن جدا يفتقر إلى مساعدة اللفظ عليه ويوضحه أنه ليس المراد إخراج الموته الأولى من الموت المنفي ولا ثم شيء متوهم يحتاج لأجله إلى الاستثناء وإنما المراد الإخبار بأنهم بعد موتتهم الأولى التي كتبها الله عليهم لا يذوقون غيرها وعلى هذا فيقال لما كان ما بعد إلا حكمه مخالف لحكم ما قبلها والحياة الدائمة في الجنة إنما تكون بعد الموته الأولى كانت أداة إلا مفهمة هذه البعدية وقد أمن اللبس لعدم دخولها في الموت المنفى في الجنة فتجردت لهذا المعنى فهذا من أحسن ما يقال في الآية فتأمله.

المثال التاسع: قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلاّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} فهذا على عدم تقدير التناول يكون فيه نفي الشيء وإثبات ضده وهو أظهر وعلى تقدير التناول لما نفي ذوق البرد والشراب فربما توهم أنهم لا يذوقون غيرهما فقال إلا حميما وغساقا فيكون الاستثناء من عام مقدر.

المثال العاشر: قوله تعالى: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} فعلى تقدير عدم الدخول نفى الخوف عن المرسلين وأثبته لمن ظلم ثم تاب وعلى تقدير الدخول يكون المعنى ولا غيرهم إلا من ظلم.

وأما قول بعض الناس: إن (إلا) بمعنى الواو والمعنى: ولا من ظلم، فخَبْطٌ منه؛ فإن هذا يرفع الأمان عن اللغة ويوقع اللبس في الخطاب والواو وإلا متنافيتان فإحداهما تثبت للثاني نظير حكم الأول والآخرى تنفى عن الثاني ذلك فدعوى تعاقبتهما دعوى باطلة لغة وعرفا والقاعدة أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض خوفا من اللبس وذهاب المعنى الذي قصد بالحرف وإنما يضمن ويشرب معنى فعل آخر يقتضي ذلك الحرف فيكون ذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015