بدائع الفوائد (صفحة 563)

اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} فهذا استثناء منقطع لأن اتباعه الغاوين لم يدخلوا في عبادة المضافين إليه وإن دخلوا في مطلق العباد فإن الإضافة فيها معنى التخصيص والتشريف كما لم تدخل الخانات والحمامات في بيوت الله قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً} إلى آخر الآيات وقال: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} فعباده المضافون إليه هم الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وقال تعالى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أنتمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} ومن هذا قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} فعباده ههنا الذين يغفر ذنوبهم جميعا هم المؤمنون التائبون والانقطاع في هذا قول ابن خروف وهو الصواب وقال الزمخشري: "هو متصل وجعل لفظ العباد عاما" وقد عرفت غلطه وعلي تقدير الانقطاع فإن لم يقدر دخوله في الأول فظاهر وإن قدرنا دخوله فقالوا تقديره إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ولا على غيرهم إلا من اتبعك من الغاوين ولا يخفى التكلف الظاهر عليه بل الأحسن أن يقال لما ذكر العباد وأضافهم إليه والأضافه يحتمل أن تكون إلى ربوبيته العامة فتكون أضافه ملك وأن تكون إلى الهيئة فتكون أضافه اختصاص ومحبة والغاووين داخلون في العباد عند التعميم والإطلاق لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض إِلاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} فالأول متناول له بوجه فصح إخراجه.

المثال الثالث: قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ} على أصح الوجوه في الآية فإنه تعالى لما ذكر العاصم استدعى معصوما مفهوما من السياق فكأنه قيل لا معصوم اليوم من أمره إلا من رحمة فإنه لما قال لا عاصم اليوم من أمره الله بقى الذهن طالبا للمعصوم فكأنه قيل فمن الذي يعصم فأجيب بأنه لا يعصم إلا من رحمة الله ودل هذا الفظ باختصاره وجلالته وفصاحته علي نفي كل عاصم سواه وعلى نفي كل معصوم سوى من رحمة الله فدل الاستثناء على أمرين على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015