بدائع الفوائد (صفحة 564)

المعصوم من هو وعلى العاصم وهو ذو الرحمة وهذا من أبلغ الكلام وأفصحه وأوجزه ولا يلتفت إلى ما قيل في الآية بعد ذلك وقد قالوا فيها ثلاثة أقوال آخر:

أحدها: أن عاصما بمعنى معصوم كماء دافق وعيشة راضية والمعنى لا معصوم إلا من رحمة الله وهذا فاسد لأن كل واحد من اسم الفاعل واسم المفعول موضوع لمعناه الخاص به فلا يشاركه فيه الآخر وليس الماء الدافق بمنى المدفوق بل هو فاعل على بابه كما يقال ماء جار فدافق كجار فما الموجب للتكليف البارد وأما عيشة راضية فهي عند سيبويه على النسب كتامر ولابن أي ذات رضي وعند غيره كنهار صائم وليل قائم على المبالغة.

والقول الثاني: أن من رحم فاعل لا مفعول والمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلا الراحم فهو استثناء فاعل من فاعل وهذا وإن كان أقل تكلفا فهو أيضا ضعيف جدا وجزالة الكلام وبلاغته تأباه بأول نظر.

والقول الثالث إن في الكلام مضافا محذوفا قام المضاف إليه مقامه والتقدير لا معصوم عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحمة الله وهذا من أنكر الأقوال وأشدها منافاة للفصاحة والبلاغة ولو صرح به لكان مستغثا.

المثال الربع: قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ} فهذا من الاستثناء السابق زمان المستثنى فيه زمان المستثنى منه فهو غير داخل فيه فمن لم يشترط الدخول فلا يقدر شيئا ومن قال لا بد من دخوله قدر دخوله في مضمون الجملة الطلبية بالنهي لأن مضمون قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} الإثم والمؤاخذة أي أن الناكح ما نكح أبوه آثم مؤاخذ إلا ما قد سلف قبل النهي وإقامة الحجة فإنه لا تتعلق به المؤاخذة وأحسن من هذا عندي أن يقال لما نهي سبحانه عن نكاح منكوحات الآباء أفاد ذلك أن وطأهن بعد التحريم لا يكون نكاحا البتة بل لا يكون إلا سفاحا فلا يترتب عليه أحكام النكاح من ثبوت الفراش ولحوق النسب بل الولد فيه يكون ولد زنية وليس هذا حكم ما سلف قبل التحريم فإن الفراش كان ثابتا فيه والنسب لاحق فأفادا الاستثناء فائدة جليلة عظيمة وهي أن ولد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015