بدائع الفوائد (صفحة 542)

وتشرب اللبن معناه لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن وإن كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل والهمزة وأم مجردتان بمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا قال سيبويه: "جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء في قولك: (اللهم اغفر لنا أيتها العصابة) يعني أن هذا جرى على صورة الاستفهام ولا استفهام كما أن ذاك جرى على صورة النداء ولا نداء ومعنى الاستواء استواؤهما في علم المستفهم عنهما لأنه قد علم أن أحد الأمرين كائن إما الإنذار وإما عدمه ولكن لا بعينه وكلاهما معلوم بعلم غير معين".

قلت: هذا قوله وقول طائفة من النحاة وقد اعترض على ما ذكراه بأنه يلزم القائل به أن يجيز سواء قمت أم قعدت دون أن تقول علي أو عليك وأنه يجيز سيان أذهب زيد أم جلس ويتفقان أقام زيد أم قعد وما كان نحو هذا مما لا يجوز في الكلام ولا روي عن أحد لأن التقدير الذي قدروه منطبق على هذا.

وقالت طائفة أخرى (سواء) ههنا مبتدأ والجملة الاستفهامية في موضع الخبر وإنما قالوا هذا وإن كان سواء نكرة لأن الجملة لا تكون في موضع المبتدأ أبدا ولا في موضع الفاعل وأورد عليهم أن الجملة إذا وقعت خبرا فلا بد فيها من ضمير يعود على المبتدأ فأين الضمير العائد على سواء ههنا فأجابوا عن هذا بأن (سواء) وإن كان مبتدأ في اللفظ فهو في المعنى خبر لأن المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه. قالوا ولا يلزم أن يعود من المبتدأ ضمير على الخبر فلما كان سواء خبر في المعنى دون اللفظ روعي المعنى، ونظير هذا قولهم ضربي زيدا قائما فإنه لم يعد على ضربي ضمير من الحال التي سدت مسد الخبر لأن معناه اضرب زيدا أو ضربت زيدا والفعل لا يعود عليه ضمير فكذلك ما هو في معناه وقوته، ونظيره أيضا أقائم أخوك لأن أخوك وإن سد مسد الخبر فإنه فاعل في المعنى وقائم معناه معنى الفعل الرافع للفاعل فروعيت هذه المعاني في هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015