الضلال من المشبهة والمعطلة فعليك بمراعاته الثالث قوله لا يعطي الإبصار معنى البصر والرؤية مجرد كلام لا حاصل تحته ولا تحقيق فإنه قد تقرر عقلا ونقلا أن لله تعالى صفة البصر ثابتة كصفة السمع فإن كان لفظ الإبصار لا يعطى الرؤية مجردة فكذلك لفظ السمع وإن أعطى السمع إدراك المسموعات مجردا فكذلك البصر فالتفريق بينهما تحكم محض ثم نعود إلى كلامه قال وكذلك لا يضاف إليه سبحانه وتعالى من آلات الإدراك الأذن ونحوها لأنها في أصل الوضع عبارة عن الجارحة لا عن الصفة التي هي محلها فلم ينقل لفظها إلى الصفة أعني السمع مجازا ولا حقيقة إلا أشياء وردت على جهة المثل بما يعرف بأدنى نظر أنها أمثال مضروبة نحو الحجر الأسود يمين الله في الأرض ضعيف منكر وما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن صحيح مما عرفت العرب المراد به بأول وهلة قال: وأما اليد فهي عندي في أصل الوضع كالمصدر عبارة عن صفة لموصوف قال:
يديت على ابن خضخاض بن عمرو ... بأسفل ذي الحداة يد الكريم
فيديت فعل مأخوذ من مصدر لا محالة والمصدر صفة موصوف ولذلك مدح سبحانه بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله: {أُولِي الأَيْدِي وَالأبْصَارِ} ولم يمدحهم بالجوارح لأن المدح لا يتعلق إلا بالصفات لا بالجواهر قلت المراد بالأيدي والأبصار هنا القوة في أمر الله تعالى والبصر بدينه فأراد أنهم من أهل القوى في أمره والبصائر في دينه فليست من يديت إليه يدا فتأمله مذهب الأشعري قال وإذا ثبت هذا فصح قول أبي الحسن الأشعري رذي الله عنه: "إن اليد من قوله خلق آدم بيده" إسناده حسن وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} صفة ورد رد بها الشرع ولم يقل إنها في معنى القدرة كما قال المتأخرون من أصحابه ولا في معنى النعم ولا قطع بشيء من التأويلات تحرزا منه عن مخالفة السلف وقطع بأنها صفة تحرزا عن مذهب المشبهة مفهوم الصفات عند العرب فإن قيل: وكيف خوطبوا بما لا يفهمون ولا يستعملون قلنا: ليس الأمر كذلك بل كان معناها مفهوما عند القوم الذين